كأس العرب.. لقب المنتوج المحلي
الكثير من متابعي كرة القدم والمتخصصين في أحوالها داخل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط والخليج، عندما تأخذهم نوازع الغيرة من هذه الإنجازات التي باتت تصنعها المنتخبات المغربية قاريا وعالميا، يفسرون ذلك باستقطاب جامعته للمواهب الكروية التي تنتجها أكاديميات كرة القدم في أوربا ، حتى أصبح ذلك “كليشي ” جاهز في كل المواضيع المتعلقة بالمغرب كرويا.
التفسير وإن كان يحمل النزر القليل من الصحة، إذا قمنا بجرد لمرجعيات جميع اللاعبين الذين يحملون قميص المنتخبات الوطنية ، فإنه يحمل قدرا كبيرا من التبخيس للمنتوج المحلي في الأندية الوطنية رغم أعطابها البنيوية المزمنة، وأيضا يضرب بغباء سياسة الإستقطاب والإدماج الفعالة التي تنهجها جامعة الكرة منذ سنوات من أجل أن تصهر مرجعيات كروية مختلفة في منتخبات واحدة قوية ومنسجمة.
بالأمس في العاصمة القطرية الدوحة جاء الدليل على خواء تلك التفسيرات ، عبر فوز المنتخب الوطني الرديف بكأس العرب، ولم نسمع صوتا لكل أولئك الذين ينسبون فضل الإنجازات الكروية المغربية لأوربا، لم يذكر أحد أن العناصر التي صنعت الملحمة العربية في ملعب لوسيل، وأسقطت منتخبات الصف الأول في بلدانها، تسعين بالمائة منهما خرج من الأندية المغربية، ومن الحواري والملاعب المتربة في المغرب العميق ، وقادهم أيضا مدرب تعلم كرة القدم في أزقة مدينة فاس العتيقة، قبل أن يصنع له إسما في كرة القدم الأوربية، وعاد للمغرب الذي تلقى فيه جميع تكويناته التدريبية ، وفيه تمرس واحتك حتى بلغ هذه المكانة الرفيعة.
وأمس أيضا في نهائي ملعب لوسيل ، كان الطرف الأردني الذي بدا قويا ومبهرا في هذه البطولة، يقوده أيضا منتوج محلي مغربي خالص أولهم جمال السلامي ، ويساعده مصطفى الخلفي ومدرب الحراس محمدينا ، وقبلهم كان هناك الحسين عموتة وحسن لوداري ، وكل هؤلاء -لعلم أصحاب الفضل الأوربي- ولدوا في المغرب وبه درسوا وتعلموا الكرة وتفوقوا في تدريبها واكتسبوا اللغات وتقنيات التواصل.
المغرب عبر التاريخ أرض ولادة للمواهب والكفاءات والمبدعين في كل المجالات، ولا يمكن لكرة القدم أن تصبح استثناءا، فقط لأن للبلاد جالية مهمة في أوربا تدفع أبناءها الموهوبين للعودة إلى جذورهم بعد استكمال تكوينهم في بلدان المنشأ ، فمنظومتنا الكروية رغم كوارثها التدبيرية ستستمر هي الأخرى في إنجاب “الكوايرية”، وسياسة التوفيق بين المنتوجين المحلي والأوربي يجب أن تستمر في التطور على صعيد المنتخبات الوطنية ، في انتظار أن يهدي الله مسيري أنديتنا الفاشلين أن يعطوا “التيساع” لكرة القدم ويتركوا عقليات جديدة في التدبير الإحترافي لتستثمر منابع الوطن التي لا تنضب.