قيادة “حكومة المونديال” تفتح باب السجال بين مكونات الأغلبية
مع اقتراب العد العكسي لانتخابات 2026، تتزايد طموحات أحزاب التحالف الثلاثي المشكل للـأغلبية الحكومية في تصدر المشهد لقيادة ما بات يعرفُ بـ”حكومة المونديال”، إذ بدأ “الخلاف” يطل برأسه بين بعض قيادات الأحزاب الثلاثة، خاصة بعد الانتقادات التي وجهها القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار محمد أوجار، لأداء الحكومة في قطاعي التعمير والتشغيل، اللذين يشرف عليهما وزراء من حزب “الأصالة والمعاصرة”، ما دفع الأخير إلى الرد بحدة على انتقادات أوجار.
وفي هذا السياق، دخل محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل وعضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، خلال مشاركته في نقاش مفتوح نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، على خط السجال قائلاً: “الأصالة والمعاصرة باقيين ولاد الناس، ولكن إلى جبدتهم غادي تلقاهم”، في إشارة واضحة إلى استعداد الحزب لمواجهة “خصومه” داخل التحالف الحكومي.
كما جدد بنسعيد، تأكيده على أن “الجرار” يسعى إلى تصدر انتخابات 2026 وقيادة ما أصبح يُعرف بـ”حكومة المونديال”، متمسكا برؤية الحزب للمستقبل السياسي للمغرب، فيما أعرب عن تأييده لتصريحات المنسقة العامة للحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، التي أكدت سعي الأصالة والمعاصرة إلى قيادة الحكومة المقبلة.
وشدد في الوقت ذاته على أن “المزايدات الانتخابية” في هذه المرحلة قد تستنزف أحزاب الأغلبية قبل موعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة.
فيما تجلّت أحد حلقات هذا التوتر في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بمجلس النواب الإثنين الماضي، حيث أثارت صورة وزراء حزب الاستقلال وهم متكتلون في مقاعدهم بقاعة الجلسات، تساؤلات حول بوادر خلاف مع حزب التجمع الوطني للأحرار.
وعلى الرغم من محاولات التهدئة، وتأكيد الحكومة على انسجام مكوناتها، إلا أن تزامن الصورة مع تزايد التوتر داخل التحالف يجعلها تحمل دلالات أعمق، خاصة في ظل امتعاض داخل حزب الاستقلال من نسب بعض إنجازات وزرائه إلى وزراء آخرين من حزب الأحرار، وهو ما برز بوضوح في قطاعي الماء والتجهيز الذي يشرف عليه نزار بركة.
وفي سياق مستمر، أكدَّ نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، خلال لقاء حزبي في العرائش، أن حزبه يطمح إلى تصدر نتائج انتخابات 2026، في خطوة تعكس استراتيجية الحزب لتعزيز حضوره في المشهد السياسي المقبل.
وعكست مداخلة بركة، في ظل الغياب التام لقيادات ومنتخبي حزب “الحمامة” عن هذا اللقاء، على وجودِ توترٍ داخلي بين مكونات الحكومة، وشدد المسؤول الحكومي، بالمناسبة، “على انحياز حزبه إلى جانب المواطنين في مواجهة الغلاء المتصاعد في موقفٍ منافي لخطاب الحكومة لوضعية الأسعار بالمغرب”.
ضعف الثقة
وفي هذا السياق أكد أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس الرباط رضوان أعميمي، في تصريح لـصحيفة ”صوت المغرب”، أن ” التحركات الانتخابية المبكرة دليل يعكس ضعف الثقة بين مكونات التحالف الحكومي من جهة، ومن جهة أخرى تعبر عن سعي الأطراف السياسية إلى تعزيز مواقعها وحسم المنافسة مبكراً. بفعلِ إدراكِ الفاعلين السياسيين أن الفضاء العمومي، خصوصاً الرقمي، أصبح عاملاً حاسماً في تحديد التموقع الانتخابي، وهو ما لعب دوراً كبيراً في ترجيح كفة بعض الأحزاب خلال استحقاقات 2021″.
وأضاف أعميمي أنَّ هذه الحكومة “تعاني أساساً من مشاكل في بيتها الداخلي بفعلِ التعديل الحكومي الأخير، الذي أفرز تحديات جديدة، جعل بعض الوزراء يواجهون صعوبات في التأقلم مع متطلبات التدبير الحكومي، في حين لا يزال بعض كتاب الدولة إلى اليوم دون تحديد واضح لاختصاصاتهم.”
هذه المناوشات التي طفت على السطح بين أحزاب الأغلبية، لا تؤكدُ إلا على وجود انعكاسات ستؤثر حسب الأستاذ الجامعي على الانسجام الحكومي، “لهذا ينبغي الانتباه من طرف أحزاب الأغلبية لحساسية هذه المرحلة، لعدة اعتبارات أهمها أن الرسالة التي يتلقاها المواطن ستكون حاسمة في مدى مشاركته في العملية الانتخابية المقبلة لأن الرهان هو الرفع من نسب المشاركة”.
وأشار المتحدث إلى أن السنة الأخيرة من عمل الحكومة عادة ما تكون سنة بيضاء من حيث التشريع والمبادرات الحكومية “لذلك يتطلب الأمر تسريع العمل وتحقيق انسجام أكثر سيخدم مصلحة كل الأحزاب المشاركة في الحكومة، وستكون المحطة الانتخابية مرحلة لتقوية حضورها سياسيا وانتخابيا”.
وأضاف أن حكومة المونديال كما تسميها بعض الأحزاب “ستحتاج إلى ائتلاف موسع ومنسجم، وهو ما يسائل القوة الداخلية للأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية التي لايزال بعضها يعرف مجموعة من الإشكالات التنظيمية.”
“تهريج سياسي“
ومن جهته يرى أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، مصطفى اليحياوي أن هذا السجال بين الأحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية الحكومية لا يمثلُ سوى “تهريج سياسي” ولكن إذا ما أردنا فهمه، فإننا مضطرون للرجوع لفهم السياقات الكبرى، والمتمثلة أساساً بخريطة الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2021.
وقد أظهرت نتائج الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، أن أحزاب الحكومة الثلاث تهيمن على ثلث الأصوات الانتخابية، كما أنَّ الخريطة السياسية تعكسُ تشابهَ المناطق التي تغذي أحزاب الأغلبية بالأصوات، “لذا فإن السجال الحاصل لا يمكن فصله عن السعي نحو محاولة لاعادة تقاسم خريطة الأصوات المشتركة بينهم”، يقول مصطفى اليحياوي.
ويضيف الأستاذ الجامعي أنَّ “هذا السجال أظهر كذلك غياب المعارضة في المشهد السياسي، حيث لا نجد معارضة منسجمة تواجه هذا السجال وترفع من نسق الخطاب السياسي”، وبدلا من ذلك “تحاول أحزاب الأغلبية الحكومية خلق تعبئة حزبية من هذا السجال من الآن في ظل غياب قدرة على التعبئة”.
ومن جانب آخر، أكد أستاذ الجغرافيا السياسية أنه إذا استمر مشكل الجفاف لسنة أخرى “فإن هذا الأمر سيخلق تحدياً جديداً لأحزاب الأغلبية في حملتهم الانتخابية، لأن الجغرافيا الانتخابية مشتركة بين أحزاب الأغلبية وتتمركز أساساً في المناطق القروية التي تعتبر الاكثر تضرراً من تداعيات موجة الجفاف”.
“ذيل الكلب”
وعلى مستوى طبيعة الخطاب الذي تنتجه أحزاب الأغلبية الحكومية يرى أستاذ التواصل السياسي بجامعة محمد الخامس الرباط عبد الإله العبدي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن بعض السجالات “لا تمثل سوى محاولة لإخفاء الإخفاق في عملية تدبير الشأن العام، وكأنه تجسيد محلي لمجريات فيلم “ذيل الكلب” الذي تحدث عن حرب افتراضية للتغطية على فضيحة أخلاقية قبل الانتخابات”.
وخلص المتحدث إلى أن بعض السجالات والمعارك، التي تظهر بين مكونات الأغلبية الحكومية، “ليست سوى الشجرة التي تحاول إخفاء غابة الفشل في تدبير الشأن العمومي المحلي”.
تعبئة كاملة
وفي سياق ذلك، أعربت هيئة رئاسة الأغلبية، في اجتماعها أول أمس الأربعاء بالرباط، عن إرادتها المشتركة وتعبئتها الكاملة من أجل “مواصلة إنجاح التجربة الحكومية الحالية، وتسريع إنجاز مختلف الأوراش الحكومية تنفيذا للبرنامج الحكومي”.
كما أشادت، خلال هذا الاجتماع، “بالمكتسبات الكبرى التي تحققت بالمملكة بتوجيهات من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، وبالتراكمات الإيجابية التي حققتها الأغلبية الحكومية والتماسك والانسجام الذي يطبع عملها، والتقائية مواقفها تجاه مختلف القضايا الحيوية بالمملكة”.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس قد أكد في الندوة الصحافية التي أعقبت انعقاد المجلس الحكومي، الخميس 23 يناير 2025، أن الحكومة “تشتغل في إطار منسجم”، وما يصدر عن بعض وزراء الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية، يبقى “تقديرا سياسيا ولا يعبر عن المواقف الرسمية للأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية”.
وتابع أن الحكومة تضع في صلب اهتماماتها “الوفاء بالتزاماتها الواردة في البرنامج الحكومي عبر تسريع وتيرة العمل والانجاز وتنفيذ التوجيهات الملكية في جملة من القضايا في المجال الاقتصادي والاجتماعي والبنيات التحتية وغيرها”.