story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

قراءة سياسية وقانونية في مدى إلزامية قرار مجلس الأمن 2797 حول الصحراء المغربية

ص ص

بعد إصدار مجلس الأمن الدولي لقراره رقم 2797 بشأن قضية الصحراء المغربية، الذي شكل نقطة تحول مهمة في الملف القانوني والسياسي لهذا النزاع المفتعل، لكونه يرسخ رسميا ومن أعلى مرجعية دولية (مجلس الأمن)، مقترح الحكم الذاتي بوصفه الحل الأساس للمفاوضات تحت السيادة المغربية، حٌشر خصوم الوحدة الوطنية في الزاوية، فهرعوا إلى الاستنجاد بمقولة أن هذا القرار الأممي غير ملزم باعتباره يندرج في إطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه القشة التي يتعلق بها خصوم الوحدة الترابية لا تسعفهم للتخلص من المسار الجديد الذي أخذه ملف الصحراء المغربية، إذ أنه – كما قال الملك محمد السادس في خطابه مباشرة بعد التصويت على القرار 2797 – ما قبل 31 أكتوبر 2025 ليس كما بعده.

ولذلك أتناول بالتحليل القانوني والسياسي مسألة الإلزامية لهذا القرار الأممي التاريخي.

فمجلس الأمن الدولي وهو الجهاز الرئيسي في الأمم المتحدة يعتبر المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وفقا لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، غير أن سلطات المجلس تختلف باختلاف طبيعة النزاعات التي ينظر فيها، حيث تتيح له الاختصاصات الموكولة إليه الاستناد إلى الفصل السادس من الميثاق المعنون بـ”حل المنازعات بالطرق السلمية”، أو إلى الفصل السابع الذي يتيح اللجوء إلى قرارات وعقوبات بمختلف أشكالها.

وعلى الرغم من الفرق الواضح بين طبيعة الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة (المواد من 33 إلى 38) الذي ينص على الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية، مثل المفاوضات، الوساطة، التحقيق، التوفيق، التحكيم، والتسوية القضائية، كما يجيز لمجلس الأمن أن يوصي بما يراه مناسبا من إجراءات أو شروط للتسوية، وبين الفصل السابع الذي يتيح صلاحيات أوسع لفرض عقوبات اقتصادية أو عسكرية في حالة تهديد السلم أو الإخلال به، فإن القراءة المجتزأة للفصل السادس بمعزل عن باقي فصول وسياق البنية النسقية لميثاق الأمم المتحدة – كما يفعل ذلك الإعلام الجزائري وإعلام البوليساريو اليوم – يبين قصر نظرهم أو محاولتهم التسكين المؤقت للألم الناتج عن هذا القرار الأممي، من خلال تسويق هذه القراءة.

فمن الناحية القانونية والسياسية، فإن قرارات مجلس الأمن تشكل مرجعية أساسية للشرعية الدولية، بما يقوي أو يضعف أطراف أي نزاع معروض عليه، بحسب مدى التزام كل طرف أو اعتراضه على القرارات الأممية التي يصدرها المجلس، حتى لو تمت في إطار الفصل السادس، الذي وإن كان لا يتيح اتخاذ إجراءات ذات صبغة ملزمة بشكل صريح، إلا أنها تكتسي أهمية سياسية ودبلوماسية كبيرة، إذ تشكل مرجعا قانونيا لمسار المفاوضات المستقبلية، وتحدث ضغوطا سياسية على الأطراف المعنية بالنزاع، وتضفي الشرعية الدولية لأي حل يتم التوصل إليه في إطار الأمم المتحدة.

ومن جهة أخرى، فإن التراتبية المعتمدة في ميثاق الأمم المتحدة ليست اعتباطية، ذلك أن الاحتكام إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وبالتفاوض وبالتسوية المتفق عليها ما أمكن ذلك – في إطار الفصل السادس، ثم يأتي بعد ذلك الفصل الموالي (السابع) الذي يتيح إمكانية اللجوء إلى إجراءات زجرية وخطوات عملية ملزمة لحل النزاعات، هي تراتبية مبنية ومقصودة، تفيد أن هذه الهيئة الأممية تنطلق في تدخلها لحل النزاعات من الحلول السلمية انسجاما مع أهدافها السامية، وهي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، لكن هذا الهدف نفسه قد يقتضي في حالة تجاهل التوصيات المتكررة لمجلس الأمن إلى نقل ملف النزاع إلى الفصل السابع، إذا اعتبر أن النزاع بات يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.

وبذلك يمكن أن نخلص إلى أن الدفع بعدم إلزامية القرار الأممي رقم 2797 بشأن ملف الصحراء المغربية، دفع يغفل أن الاحتكام إلى الفصل السادس في هاته المرحلة يفرض التجاوب بحسن نية مع ما دعا إليه، من ضرورة جلوس اطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي وسلمي لهدا الملف، في إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وأن رفض الاستجابة لمقتضيات هذا القرار قد يدفع لنقل الملف إلى الفصل الموالي (الفصل السابع) بما يتيحه من إجراءات وعقوبات ستطال الأطراف المعرقلة للحل السلمي، ومن الأمثلة المتاحة في هدا الإطار، تصنيف جبهة البوليساريو حركة إرهابية، وبالتبع ستعتبر الجزائر باعتبارها حاضنة وداعمة لهذه الجبهة – راعية للإرهاب، إضافة إلى إمكانية اللجوء إلى عقوبات اقتصادية وسياسية متعددة، وفي النهاية فإن المغرب باعتباره صاحب الأرض تاريخيا واقعيا، في موقع يدعوا باقي الأطراف إلى إعمال العقل واستحضار هاته المعطيات التي تؤكد أن الحل الوحيد لهذا النزاع هو طي صفحة الماضي، ورجوع المغاربة المحتجزين في تندوف إلى بلدهم، خاصة مع الضمانات الملكية التي أكدها جلالة الملك لهم باعتبارهم كغيرهم من عموم أبناء هذا الوطن في الحقوق والالتزامات، وأن تمد الجزائر يدها لمصافحة اليد الممدودة من ملك المغرب منذ سنوات لبناء علاقات تطبعها الأخوة وحسن الجوار، بما يبني وحدة مغاربية تعود بالنفع على الدولتين وعلى كل دول الجوار، وعلى تحقيق مبدأ الأمن والسلم الدوليين في المنطقة.