قانون “السوشل ميديا”.. هل تنجح الحكومة في إخضاع عمالقة المنصات الرقمية؟

تتجه الحكومة نحو وضع إطار قانوني يضبط عملية النشر على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مقتضيات قانونية تنظم المحتوى، وتفرض على الشركات العالمية المسؤولة عن هذه المواقع والمنصات التزامات قانونية واضحة.
وفي هذا الصدد، أوضح محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، في مداخلة له بالبرلمان الأسبوع الماضي، أن الهدف من هذا الإجراء هو “تجاوز حالة الفراغ التشريعي التي تمنح المنصات الرقمية الأجنبية حرية العمل دون رقابة فعلية”، مشددًا على أن القانون المرتقب “سيوفر آلية عملية لتفعيل المراقبة والزجر في حال وقوع خروقات أو امتناع عن التعاون مع السلطات الوطنية.
وأمام هذا التوجه، يطرح تساؤل يتعلق بمدى قدرة الحكومة على فرض هذه القوانين على الشركات الرقمية العالمية، خاصة أن تطبيقها يبقى رهينًا بمدى تجاوب هذه الأخيرة مع السلطات المغربية.
وفي تفاعل مع الموضوع، أكد الخبير في التكنولوجيات الحديثة بدر بلاج صعوبة إخضاع هذه الشبكات العالمية للقوانين التي تعمل الحكومة على إقرارها، مذكّرًا بفشل سابق في إخضاعها للضوابط الجبائية والضريبية داخل السوق الوطنية.
وفي هذا الصدد، يشارك المغرب في تكتل يضم عددًا من الدول العربية، يهدف إلى التفاوض الجماعي مع الشركات الكبرى المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، من أجل التوصل إلى اتفاقات تتعلق بإرساء إطار ضريبي وجبائي موحد، يُمكّن من تحقيق عائدات مادية تُسهم في دعم القطاع الإعلامي بالدول العربية.
ويضم هذا التكتل ست دول إلى جانب المغرب، وهي السعودية، الأردن، الإمارات، تونس، العراق، ومصر، حيث تمثل هذه الدول مجتمعة سوقًا يفوق عدد مستخدميها 270 مليون شخص، ما يمنحها قوة تفاوضية معتبرة في مواجهة هذه الشركات العملاقة.
في هذا السياق، أوضح بلاج أن انخراط المغرب في تكتلات إقليمية أو دولية يُعد من بين الخيارات المحدودة المتاحة لإخضاع هذه المنصات العالمية للإطار القانوني الذي تعتزم الحكومة إقراره.
وأبرز أنه حتى في حال لوّح المغرب بمنع ولوج هذه المنصات إلى السوق الوطنية، فإن تأثير هذا القرار سيظل محدودًا نظرًا لصغر حجم السوق المغربية بمفردها.
وتابع أن هذه القوانين لن تحظى برد فعل إيجابي من قِبل هذه الشركات، خاصةً وأنها ستفرض عليها أعباء إضافية، سواء من حيث الجهد أو الاستثمار، لضمان الامتثال للتشريعات الجديدة، بما في ذلك الاستثمار الإضافي في التكنولوجيا والموارد البشرية اللازمة لتطبيق هذه القوانين.
وحول المخاوف التي يطرحها هذا القانون من أن يتحول هذا الأخير إلى “أداة جديدة للرقابة وتقييد حرية الرأي والتعبير”، أقر بدر بلاج بـ”واقعية هذه المخاوف”، لافتا إلى أنه “غير مستبعد احتمال أن يصير هذا القانون أداة في يد الحكومة لتكميم الأفواه بطريقة غير مباشرة”.
وفي ظل غياب قانون واضح يفرض قيودًا على منشورات المواطنين في منصات التواصل الاجتماعي، حذّر الخبير من احتمال لجوء الدولة إلى استغلال القانون المرتقب للتواصل مع هذه المنصات وطلب حذف أي محتوى لا يتماشى مع توجهاتها، بدعوى محاربة الأخبار الزائفة.
وفي غضون ذلك، أوضح المتحدث، أن مدونًا صحفيًا مثلا قد ينشر معلومات صحيحة دون الإشارة إلى مصدرها التزامًا بأخلاقيات مهنته، لتتدخل الدولة لاحقًا وتطالب المنصة بحذف المنشور، تحت ذريعة أن المعطيات الواردة فيه مضللة أو غير صحيحة.
وأمام هذه المخاوف، استدل الخبير بالتشريع الأوروبي في هذا المجال، المعروف بقانون الخدمات الرقمية (DSA – Digital Services Act)، والذي يُلزم المنصات الرقمية بالتواصل مع الشخص المعني والتحقق من مصادره قبل اتخاذ قرار بحذف المحتوى، بدل اللجوء إلى الحذف المباشر دون إشعار أو تحقق.
وكان الوزير مهدي بنسعيد قد اعتبر ذات التشريع مرجعا مهما يمكن الاستئناس به “في مجال ضبط وتقنين وسائط التواصل الاجتماعي”، مبرزا أن قانون الخدمات الرقمية الأوروبي يعد من التجارب الدولية المهمة في هذا المجال.
وعلاقة بذلك، دعا بلاج إلى عدم الاكتفاء بالشق التقني من هذا التشريع، والمتعلق بعلاقة الدولة بالمنصات، بل شدد على أهمية استلهام التوازن الذي يضمنه بين حقوق المستخدمين وصلاحيات الحكومات ومهام المنصات الرقمية.
وخلص المتحدث إلى التأكيد على ضرورة أن يتضمن الإطار القانوني الجديد قواعد واضحة لتدخل الدولة، إلى جانب تعريف دقيق لمفهومي “الأخبار الزائفة” و”المعلومات المضللة”، بما يمنع أي تدخلات اعتباطية أو قرارات تستند إلى التخمينات أو التأويلات.