“ائتلاف الجبل” يوجه مذكرة إلى أخنوش من أجل تصحيح التفاوتات المجالية

وجّه الائتلاف المدني من أجل الجبل مذكرة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يطالبه فيها بإطلاق ورش استعجالي لتصحيح التفاوتات المجالية، وإنصاف ساكنة الجبال، وذلك استنادًا إلى التوجيهات الملكية الصارمة والواضحة التي وردت في خطاب العرش لسنة 2025، بخصوص تعزيز العدالة المجالية ومحاربة مظاهر التهميش والفقر.
وفي هذا الإطار، قدّم الائتلاف عددًا من المطالب العاجلة، أبرزها، التسريع بإصدار قانون إطار خاص بالمناطق الجبلية يوجّه السياسات العمومية ويؤسس للعدالة المجالية، واعتماد مقاربة ترابية مندمجة تعالج التفاوتات وتوفر الخدمات الأساسية، وتفك العزلة الترابية والرقمية، وتدعم الاقتصاد المحلي وفرص الشغل، وبلورة سياسة بيئية ومائية استباقية تراعي هشاشة الجبال وتحديات المناخ.
كما اقترح الائتلاف إحداث هيئة وطنية عليا لتنمية المجالات الجبلية تحت إشراف رئاسة الحكومة، تضم ممثلين عن القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والخبراء والمجتمع المدني، مع الدعوة إلى عقد مناظرة وطنية حول تنمية الجبل والعدالة المجالية قبل متم سنة 2025، للتشاور حول مكونات القانون الإطار وآليات التمويل وتوزيع العائدات والعدالة الجبائية.
ودعا إلى بلورة خطة حكومية واضحة ومحددة الأهداف، تشمل مؤشرات دقيقة حول فك العزلة، وتوسيع التغطية الصحية والاجتماعية، وتحسين الولوج إلى الماء الشروب، وجذب الاستثمارات العمومية والخصوصية نحو المناطق الجبلية.
وأكدت المذكرة على أن إنصاف الجبل لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية لضمان تنمية متوازنة ومستدامة، مشددة على أن تنزيل الرؤية الملكية لا يمكن أن يتحقق إلا بإرادة سياسية حقيقية، وإطار قانوني ملزم، وسياسات عمومية ملائمة ترافقها خطة تنفيذية فعالة.
معاناة ممتدة
وفي السياق، قال محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، إن معاناة سكان المناطق الجبلية ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، رغم كل النداءات والمطالب والمقترحات التي ظل يوجّهها الائتلاف منذ تأسيسه سنة 2015 إلى مختلف المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها رئاسة الحكومة، إلى جانب الفرق البرلمانية ومؤسسات الحكامة.
وأكد الديش في تصريح ل”صوت المغرب” أن خطاب العرش لسنة 2025 شكل لحظة مفصلية، بعدما جلالة الملك محمد السادس بشكل واضح وصريح عن أسفه لما آلت إليه أوضاع العديد من مناطق المغرب المهمّشة، موجهاً الحكومة وكافة المؤسسات العمومية إلى ضرورة التحرك العاجل لتدارك هذه الاختلالات.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس الائتلاف أن المذكرة الموجّهة إلى رئيس الحكومة تستند إلى هذه التوجيهات الملكية التي تعتبر العدالة المجالية مدخلًا لتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات، مبرزًا أن المناطق الجبلية لا تزال خارج دائرة الأولويات رغم ما تختزنه من ثروات طبيعية، وموارد مائية، وإرث ثقافي أصيل يعكس روح وهوية المغرب العميق.
وأضاف الديش أن المجال الجبلي يجب أن يُنظر إليه كمجال استراتيجي وخط دفاع حيوي في وجه التغيرات المناخية، “لا مجرد منطقة نائية تفتقر للبنيات الأساسية”، مبرزًا أن هذه المناطق تعيش “أوضاعًا حرجة”، في ظل توالي سنوات الجفاف، وتقلص الموارد، واتساع فجوة التنمية.
كما أشار إلى أن الاحتجاجات المتكررة في العديد من المناطق الجبلية تعكس حجم المعاناة “التي لم تعد تحتمل مزيدًا من التأجيل أو التجاهل”، مضيفًا أن “ساكنة الجبل، المعروفة بصمودها وبتدبيرها الذاتي لمعيشتها بعيدًا عن السياسات العمومية، وصلت اليوم إلى نقطة الانفجار بفعل اختلالات تنموية هيكلية لم تُعالج بعد”.
ودعا الديش إلى ضرورة تبني مقاربة شاملة، فعالة، وغير مجزأة، قادرة على إحداث نقلة نوعية حقيقية كما دعا إليها الملك، مبرزًا أن السياسات القطاعية المنفصلة التي تم اعتمادها في السابق “لم تترك أثرًا مستدامًا على واقع عيش السكان”.
وختم رئيس الائتلاف تصريحه بالتأكيد على أن الوقت قد حان لتغيير منهجية الاشتغال وتسريع وتيرة التدخل، مشددًا على أن “إنصاف ساكنة الجبل لم يعد ترفًا سياسيًا، بل أصبح أولوية وطنية لضمان التنمية المتوازنة والعدالة الترابية والاجتماعية في مغرب المستقبل”.
الدواعي
وفي استعراضه للسياق العام والدواعي، ذكّر الائتلاف في مذكرته بالتزامات المغرب الدستورية والدولية، خاصة الفصل 31 من الدستور، وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مؤكدًا أن خطاب الملك الأخير “وضع الأصبع على الجرح”، حين شدد الملك محمد السادس على أن “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”، داعيًا إلى تجاوز المقاربات التقليدية نحو رؤية شمولية للتنمية المجالية.
وسجّلت مذكرة الائتلاف بالأرقام عمق التفاوتات الاجتماعية والمجالية التي تعاني منها المناطق الجبلية، حيث تتجاوز نسبة الفقر متعدد الأبعاد في بعض الجهات 14%، ويواجه أكثر من 35% من السكان صعوبات في الولوج للخدمات الصحية، في وقت تتركز فيه 97% من البنيات الصحية العمومية بالمدن، خاصة الكبرى منها.
كما نبهت إلى نسب مرتفعة في الهدر المدرسي والأمية (أكثر من 47%)، وخصاص مهول في البنية التحتية والخدمات الرقمية، ما يؤدي إلى تفريغ الجبال من سكانها عبر موجات هجرة قسرية متواصلة.
وأكد الائتلاف أن هذه المعطيات لا تترك مجالًا للانتظار، مشددًا على أن استمرار الوضع الحالي يهدد التماسك الوطني، ويرفع من كلفة التدخلات التنموية لاحقًا، ويقوّض الثقة في المؤسسات وفي النموذج التنموي الجديد.
وأوضح الائتلاف، في هذه المذكرة التي وُقّعت بمدينة بولمان بتاريخ 31 يوليوز 2025، أنه سبق له أن وجّه عدة رسائل ونداءات مفتوحة إلى رئيس الحكومة، “كلما برزت مظاهر الإقصاء أو شهدت بعض المناطق الجبلية احتجاجات تعكس عمق المعاناة”.
وأشار إلى أن زلزال الأطلس الكبير كان بمثابة اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة “بتحويل الكارثة إلى فرصة لجبر ضرر السكان وتأهيل المجال الجبلي، خاصة في ظل التعليمات الملكية التي دعت إلى تسريع الإعمار واحترام النمط المعماري الأصيل للمناطق المتضررة”.