في الأيام الأممية لمناهضته.. فعاليات نسائية يشخصن واقع العنف ضد المرأة المغربية
يتواصل إحياء الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، الممتدة من 25 نونبر إلى 10 دجنبر من كل عام، وسط نقاش يتجدد حول وضعية النساء في المغرب وتحديات الحد من مختلف أشكال العنف الموجّه ضدهن.
وتسعى حملة 2025، تحت شعار “الاتحاد لإنهاء العنف الرقمي ضد النساء والفتيات”، إلى تعبئة جميع أفراد المجتمع، ومطالبة الحكومات بإنهاء الإفلات من العقاب عبر تبني قوانين تجرّم هذا النوع من العنف وتوفر حماية فعّالة للضحايا.
وتشدد فاعلات نسائية على خطورة العنف الرقمي واتساع آثاره، إذ تشير الحقوقية خديجة الرياضي إلى أن هذا الشكل من العنف بات يتخذ “أبعادًا خطيرة جدًا ضد النساء والفتيات”، خاصة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، واستعماله في الابتزاز أو ممارسة مختلف أشكال الإيذاء.
أما أمان جرعود، السياسية والفاعلة الحقوقية، فترى أن الاعتداء على النساء عبر الفضاء الرقمي لم يعد حالة طارئة أو معزولة، مشيرة إلى أنه تحول إلى “امتداد للعنف التقليدي بوسائل تقنية مختلفة”، وبات يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا متزايدًا.
وفي الاتجاه نفسه، حذّرت الفاعلة المدنية بثينة قروري من الارتفاع المستمر لمعدلات هذا النوع من العنف، مستندة إلى نتائج دراسة ميدانية أكدت تعرض نسبة كبيرة من النساء للعنف الرقمي. وتوضح قروري أن هذا العنف “يخلّف آثارًا نفسية بليغة تصل إلى حد الإقدام على الانتحار”، ما يستدعي إدراجه ضمن أولويات السياسات العمومية.
وبخصوص واقع العنف ضد النساء في المغرب، قدّمت المتحدثات الثلاث قراءات مختلفة ومتكاملة، اتفقت جميعها على أن الوضع يتطلب إرادة سياسية أقوى وإصلاحات أكثر عمقًا لضمان حماية فعلية للنساء والحد من مختلف أشكال العنف، بما في ذلك العنف الرقمي الذي يتوسع بوتيرة مقلقة.
ارتفاع متزايد
في هذا الصدد، ترى بثينة قروري، رئيسة مركز الزهراء للمرأة المغربية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن المغرب حاول منذ سنوات الحد من العنف من خلال إطار قانوني ومؤسساتي، مثل القانون 103.13 المتعلق بالعنف ضد النساء والمرصد الوطني للعنف ضد النساء، “لكن رغم ذلك، النتائج والأرقام التي تطالعنا بها المؤسسات الوطنية تعكس انتشار الظاهرة بل ارتفاعاً متزايداً من سنة لأخرى”.
وتضيف قروري أن هذا الواقع يثير تساؤلات حول أولوية موضوع العنف ضد النساء في السياسات العمومية، وفعالية الإطار القانوني والمؤسساتي، فضلاً عن جدوى العدالة في الحد من العنف ضد النساء والفتيات. وتؤكد أن الحد من العنف لا يمكن أن يقتصر على الحملات السنوية الموسمية، بل “ينبغي جعل الموضوع أولوية في السياسات العمومية، واعتماد مقاربة متكاملة تدمج البعد القانوني والمؤسساتي دون استبعاد الأبعاد التربوية والدينية والثقافية”.
وتوضح أن هذه المقاربة المتكاملة تهدف إلى “بناء الفهم السليم لعلاقة الرجل بالمرأة، ودعم تماسك الأسر، ومعالجة السلوكيات العنيفة داخل المحيط الاجتماعي”. وتشدد على أن حماية النساء والفتيات من العنف تتطلب إرادة سياسية قوية وجهوداً مستمرة على جميع المستويات، لضمان تأثير فعلي ومستدام على المجتمع.
فجوة بين القانون والواقع
من جانبها، قالت أمان جرعود، القيادية في القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، إن سؤال وضعية العنف ضد النساء في المغرب “يطرح في ظل تحولات اجتماعية متسارعة وبيئة سياسية خانقة لا تشجع على النقاش العمومي الحر”. وعلى الرغم من بعض الإجراءات التشريعية خلال العقدين الأخيرين، إلا أن العنف يبقى واقعًا يوميًا تعيشه آلاف النساء، “يتخذ صورًا متعددة تمتد من الجسدي والجنسي إلى الاقتصادي والنفسي، ثم إلى أشكال أحدث وأكثر تعقيدًا مثل العنف الرقمي”.
وتوقفت جرعود، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، عند “مفارقة يكشف عنها الوضع اليوم”، تتعلق من جهة بازدياد الوعي المجتمعي بخطورة العنف، واتساع النقاشات الحقوقية، وبروز مبادرات مؤسساتية ومجتمعية لمحاصرته، ومن جهة أخرى، تشير المؤشرات إلى أن نسبًا كبيرة من النساء ما تزال تتعرض للأذى داخل الفضاءات الخاصة والعامة.
وتنبه المتحدثة نفسها إلى أن نسبة التبليغ عن حالات العنف “تبقى منخفضة بشكل لافت”، وترجع ذلك إلى الخوف من الوصم الاجتماعي أو لغياب الثقة في فعالية الحماية القانونية أو في مسار العدالة نفسه، وهنا “تتجلى الفجوة بين النصوص القانونية التي تبدو متقدمة من حيث المبدأ، والواقع المثقل بحدود التطبيق وبنياته الثقافية والاجتماعية”.
مسؤولية الدولة
من جهتها، تعتبر خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن العنف “ما يزال يشكّل إحدى أكبر التحديات داخل المجتمع المغربي”، إلى جانب الأرقام المهولة لحالات العنف بمختلف أصنافه، والتي منها العنف الاقتصادي، والسياسي، واللفظي، والمعنوي والرقمي.
وتحمّل الرياضي مسؤولية هذا الوضع للدولة، معتبرة أن “خطابها منذ سنوات يتناقض مع الواقع ومع حقيقة سياساتها العمومية، التي عجزت عن حماية النساء من العنف”. وتشير إلى أن الانتقادات الموجهة للقوانين القائمة “كانت في محلها”، لأنها “لم تُحدِث أي تغيير ملموس في واقع النساء ولا في حجم معاناتهن”.
وتحيل على تقارير رسمية، من بينها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التي تؤكد أن العنف الممارس ضد النساء في الشوارع والفضاءات العمومية “يُعد من بين أسباب تراجع نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء”، إذ تضطر العديد منهن للتخلي عن حقهن في العمل تفادياً لما قد يتعرضن له سواء في الفضاءات العامة أو أماكن العمل.
وتنبه الرياضي أيضاً إلى “أشكال خطيرة من العنف” مثل العنف المعنوي، الذي يصبح إثباته أكثر صعوبة “في ظل محدودية الآليات القانونية المتاحة، والتي لا تمكّن النساء من اللجوء بسهولة إلى القضاء أو طلب الحماية”، معتبرة أن ذلك يساهم في إقصاء النساء من مجالات متعددة ويحول دون مشاركتهن الفعّالة.
عنف ناعم
وتؤكد أمان جرعود أن العنف ضد النساء لم يعد مقتصراً على مظاهره التقليدية، بل يشمل أيضاً ما تسميه “العنف الناعم”، وهو العنف الذي يُمارس من خلال الصور النمطية واللغة الممجوجة والخطابات التي تعيد إنتاج دونية المرأة. وتضيف أن هذا العنف “ينحت الوعي ويطبع الحياة اليومية، ويجعل التمييز مقبولاً ومبرراً بذريعة الطبيعة والتقاليد والمصلحة العامة”، مشددة على أنه “يصنع البيئة التي تنتج العنف المباشر وتعيد إنتاجه”.
وترى جرعود أن معالجة العنف ليست مسألة تقنية تشريعية فقط، بل “فعل سياسي بامتياز”، معتبرة أن “البيئة السياسية الخانقة” التي تقمع الحريات العامة وتضيّق على المبادرات المجتمعية وتخنق الإعلام المستقل تجعل أي نقاش جريء حول جذور العنف أو حول مسؤولية الدولة “محدود الأثر”.
وتشير إلى أن تقلص الفضاء العمومي يحدّ من قدرة النساء على التعبير والمرافعة والمساءلة، بما يجعل خطاب مناهضة العنف “رهيناً بمساحتين: واحدة تسعى لإنتاج الوعي والدفع نحو الإصلاح، وأخرى تحاول الحد من مدى هذا الوعي عبر التحكم في المجال العام”.
وتختم جرعود بأن الحاجة اليوم ملحة إلى “صياغة خطاب جديد أكثر جرأة وعمقاً”، يتجاوز لغة الإدانة الأخلاقية إلى مساءلة البنى التي تنتج العنف، ويربط بين العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق وتمكين النساء وحرية الرأي وتوسيع مساحة الفعل المجتمعي.
عنف لا يستهان به
وتقف الفاعلة المدنية بثينة قروري عند العنف الرقمي، مشيرة إلى أنه يشهد “ارتفاعاً كبيراً” ضد النساء والفتيات، مستندة إلى معطيات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات التي تشير إلى ارتفاع معدل الربط بالأنترنت إلى 83%، وارتفاع الربط بالهواتف إلى 93%، وهو ما يجعل الحدود بين العالم المادي والرقمي “تتلاشى”، ويحوّل المجال الافتراضي إلى فضاء لممارسة العنف ضد النساء.
وتوضح قروري أن دراسة ميدانية أنجزها منتدى الزهراء للمرأة المغربية -الذي تترأسه- حول العنف الرقمي أظهرت أن “نسبة مرتفعة جداً من المستجوبات تتجاوز 80% تعرضن لنوع من أنواع العنف الرقمي”، وعلى رأسه التحرش الجنسي. وتؤكد أن هذا النوع من العنف لا ينبغي الاستهانة به “فقط لأنه يتم في عالم افتراضي”، مشيرة إلى أن الدراسة بيّنت أن العنف الرقمي “يخلّف في جل الحالات آثاراً نفسية بليغة تصل إلى حد الإقدام على الانتحار”.
العنف ضد المجتمع
تشير الحقوقية خديجة الرياضي إلى أن “العنف لا يمسّ النساء فقط، بل يمسّ المجتمع بأكمله، ويُعدّ من أسباب تخلّف الدول على مستوى التنمية البشرية، إذ يؤثر على وضعية النساء وعلى مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال. فالعنف يُقصي النساء من العديد من المجالات ويحول دون مشاركتهن الفعّالة، ما يُعيق التنمية ويُضعف الديمقراطية”.
وتضيف أن “العنف قضية مجتمعية وسياسية، وليست مسألة خاصة تخص النساء داخل البيوت أو العلاقات الشخصية. إنها قضية تهم الشأن العام، ويجب التعامل معها بالجدية اللازمة. ويُفترض في الحكومة المغربية أن تكون في مستوى التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، خاصة أن المغرب صادق على عدد من الاتفاقيات، من بينها اتفاقية سيداو والاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وهو أيضاً جزء من المنظومة الدولية لاعتماد الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، الذي يفرض التزامات واضحة في هذا المجال”.
وتؤكد الرياضي أن “المغرب مطالب بالمصادقة على الاتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بالقضاء على العنف والتحرش في أماكن العمل، وهو عنف يطال النساء والرجال، لكننا نعرف أن النساء في مجتمعاتنا الأبوية هنّ الضحايا الأساسيات فيه. ومن ثمّ يجب على الدولة ملاءمة القوانين الوطنية مع ما تنص عليه هذه الاتفاقية وباقي الاتفاقيات التي سبق للمغرب أن صادق عليها”.
وتختم الرياضي بالقول: “إن الدولة المغربية تتحمل مسؤولية كبيرة في ما تعيشه النساء من عنف، وفي التأخر والتخلف اللذين يعانيهما المجتمع المغربي بسبب استمرار هذا العنف واستهداف النساء وحقوقهنّ. وكل المجتمع يؤدي ثمن هذه السياسات المتخلفة التي لا توفر الحماية الكافية للنساء”