في 2023 .. قيامة صغيرة في الأطلس الكبير
جرح أدمى المغرب وكلّفه 3000 قتيل وأكثر من 100 مليار درهم
كانت الساعة تشير إلى حوالي 23.11.01، من ليلة الجمعة 08 شتنبر 2023، حينما ضربت أولى الهزات الأرضية منطقة الأطلس الكبير بين مراكش وأكادير، وما هي إلا ثوان معدودة حتى استوت البيوت الطينية بما فيها ومن فيها على الأرض، انقطع معها التيار الكهربائي وصارت المداشر أو ما تبقى منها معزولة عن العالم.
وسط ظلام دامس تعالت الأصوات وبحّت الحناجر، واختلطت دموع الناجين بغبار الأرض المتطاير من شدة الاهتزاز وعنف اللحظة، وصار كل من نجا بجلده يستغيث من حوله، طلبا للنجدة وإنقاذ عزيز صار في رمشة عين إما في عداد الموتى أو المفقودين.
أرواح بشرية عٌدت بالمئات فارقت الحياة على الفور، وأخرى أمضت الليل والنهار تأن تحت وطأة الأنقاض، وظل الصمت سيد الموقف إلى غاية يوم السبت 9 شتنبر، حين ترأس الملك محمد السادس جلسة عمل ﻟﺑﺣث اﻟوﺿﻊ، تقرر خلالها إعلان الحداد الوطني لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام وفتح حساب خاص لتلقي التبرعات لنجدة الضحايا وجهود إعادة الإعمار.
مساعدات أجنبية؟ لا شكرا !
بعد انتشار خبر الهزات الأرضية التي ضربت عمق المغرب، بدأت ردود الأفعال الدولية من جميع أقطار العالم، تتقاطر على المملكة معلنة تضامنها ووقوفها إلى جانب الدولة والشعب المغربيين، واستعدادها لتقديم المساعدة، عبر إرسال المواد الغذائية والطبية وتجهيز فرق الإنقاذ وكل ما من شأنه أن يخفف من حدة الألم ويرفع منسوب الأمل في الحياة، لتجاوز قسوة اللحظة.
في المجمل، أكثر من 60 دولة عرضت مساعداتها على المغرب لمواجهات تداعيات الزلزال، فيما قبل المغرب عروض أربع دول فقط وصفها بالدول “الصديقة” هي بريطانيا، والإمارات وإسبانيا، وقطر .وبرر بيان لوزارة الداخلية هذا الاختيار بأن “غياب التنسيق في مثل هذه الحالات من الممكن أن يؤدي الى نتائج عكسية”، مضيفا أنه “يمكن اللجوء الى العروض المقدمة من دول أخرى صديقة إذا اقتضت الحاجة”.
وأثار قبول المغرب لعروض دون أخرى، أسئلةً حول تدبير المغرب للمساعدات الدولية، خاصة في الوقت الذي كانت تقترب فيه نافذة الإنقاذ من الإغلاق بفعل تراجع الآمال في العثور على أحياء تحت المباني المنهارة. فيما كان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد قال إن المغرب لن يرفض المساعدات الدولية المقدمة له من طرف الدول الصديقة، مؤكدا أن المغرب يريد ترتيب الأمور وتحديد الأولويات.
في السياق ذاته، أكد مدير الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية خالد الزروالي، في حوار على قناة (CNN) أن “المغرب يتبع استراتيجية مبنية على معطيات علمية، ولن يعرض هذه الاستراتيجية للفشل في سبيل كسب ود أي أحد”، مضيفا أنه “اذا اقتضت الحاجة فالمغرب مستعد لطلب مساعدة أي دولة بما فيها فرنسا”.
ضعف الخدمات
في حمأة عمليات الإنقاذ، أفاد تقرير للمنظمة الدولية للمساعدة الإنسانية والصحة العالمية “مشروع أمل” (Project HOPE)، أنه على الرغم من وجود بعض الدعم الصحي في المناطق المتضررة، إلا أن القرى الصغيرة وبعض الدواوير، لا تستطيع الولوج إلى الخدمات الصحية، وأن السكان هناك غير قادرين على التنقل إلى أماكن الاستشفاء.
وأكد التقرير الذي نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن توزيع الخيام لم يكن كافيا ببعض الدواوير، “حيث وزعت السلطات الحكومية خمس خيام فقط لكل دوار، رغم أن بعضها يؤوي ما يقرب من 100 شخص”.
ويقول التقرير الذي أنجز بتعاون مع منظمة خدمة المساعدة الطبية المستعجلة ” SAMU” في إسبانيا، أن فريقا من المنظمة سالفة الذكر زار مدينة أولوز بإقليم تارودانت التي تعرضت لأضرار جسيمة، موضحا أنه “تم نصب حوالي 200 خيمة في مناطق عشوائية بين الأنقاض هناك، يقطنها ما لا يقل عن 1,000 شخص حسب التقديرات، في غياب الماء ووسائل النظافة والمرافق الصحية، بما في ذلك المراحيض وأماكن الاستحمام”.
وأضاف نفس المصدر أنه بدعم من “مشروع أمل”، أجرى فريق منظمة “SAMU” العشرات من تدخلات البحث والإنقاذ والتي مكنت من انتشال جثث العديد من الضحايا وإعادتهم إلى عائلاتهم، ولكن “للأسف لم يتم العثور على أي ناجين”.
فضلا عن ذلك، كشف المصدر ذاته الحاجة الكبيرة لخدمات الرعاية الصحية الأولية والصحة العقلية بهذه المناطق، فضلاً عن تدابير الحماية للنساء والأطفال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، ومدى قدرة الفرق الطبية والإنسانية على الوصول إلى القرى المعزولة في جبال الأطلس، منتقدا في الآن ذاته طريقة توزيع المؤن والمساعدات الانسانية الموجهة للساكنة المتضررة جراء هذا الزلزال الذي خلف ما لا يقل عن 3000 قتيل.
تعليق الأنشطة الفنية والرياضية
على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير والمدن المجاورة، تم تعليق جميع الأنشطة الفنية والمهرجانات والمباريات الرياضية التي كان من المقرر تنظيمها وإجراؤها خلال هذه الفترة، تضامنا مع ضحايا الزلزال.
في هذا الإطار أعلنت جمعية مهرجان تيميتار، الذي انطلقت فعالياته ليلة الخميس 07 شتنبر بمدينة أكادير، إلغاء جميع السهرات الفنية التي كانت مبرمجة مساء السبت الموالي، كما توقفت باقي السهرات التي كانت مبرمجة ليلة ضرب الزلزال.
وكانت الفنانة اللبنانية نجوى كرم فوق منصة إحدى السهرات، وهي تستعد لإحياء حفل كان مبرمجا ضمن فقرات مهرجان تيميتار، عندما ضرب الزلزال، قبل أن تعلن اضطرارها لإلغاء الحفل حفاظا على سلامة الجميع وتضامنا مع أهالي الضحايا.
وعلى المستوى الرياضي أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بعد الهزة الأرضية التي ضربت المغرب، بلاغا أعلنت فيه عن تأجيل المباراة التي كانت ستجمع بين المنتخب الوطني ونظيره الليبيري التي كانت مبرمجة يوم السبت 9 شتنبر 2023 على أرضية ملعب أدرار بمدينة أكادير، برسم الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا للأمم – كوت ديفوار 2024، إلى وقت لاحق، وذلك بتوافق مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.