فهد بنشمسي: مهرجان الصويرة أنقذ فن كناوة من الاندثار وأخرجه من العزلة

اعتبر الفنان المغربي فهد بنشمسي، مؤسس المجموعة الموسيقية “لالاس”، أن “فن كناوة كان مهدّدًا بالاندثار لولا مهرجان كناوة بالصويرة”، الذي اعتبره “لحظة مفصلية” في إعادة إحياء هذا التراث الموسيقي الشعبي.
ولفت بنشمسي، في حديث له مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن ثقافة غناوة كانت حبيسة “دار الليلة”، والتي يصعب على غير العارفين بالعالم الغناوي الولوج إليها، قائلاً: “كما قال المعلم حميدة بوسو رحمه الله، لو لم يكن مهرجان الصويرة، لماتت ثقافة غناوة. لم يكن أحد يستطيع الدخول إلى دار الليلة بدون علاقة بالمعلم أو المقدّمة أو الجذابة”.
وأكد أن المهرجان لعب دور “الوسيط الحقيقي” بين هذا الفن وجمهوره الواسع، موضحاً أن الجيل القديم من المعلمين مثل حسن حكمو، حميدة بوسو، ومحمود غينيا، كانوا قد عرّفوا بالعروض الغناوية على المستوى العالمي منذ الثمانينيات، لكن الوصول إلى الجمهور المغربي العريض لم يتحقق “إلا بفضل هذا الحدث الثقافي”.
وأشار بنشمسي إلى أن مهرجان كناوة أسّس لمنصة سنوية حافظت على استمرارية هذا الفن، وجعلته حيًا في الذاكرة الجمعية المغربية، معبّرًا عن امتنانه العميق للقائمين عليه: “نشكر هذا المهرجان إلى الأبد”.
كما نبّه إلى أن “المعلمية الكبار” ما يزالون حاضرين بأثرهم، رغم رحيل بعضهم أو تراجع قدرتهم على العطاء، داعياً الجيل الجديد من المعلمين إلى تحمّل مسؤولية الاستمرارية، والظهور بقوة لضمان نقل هذا الإرث.
“ادعاء المعلمية“
وقال الفنان المغربي فهد بنشمسي، إن دخول عناصر جديدة على فن غناوة “أمرٌ مقبول بل ومرحب به”، ما دام يساهم في إيصال هذا التراث إلى فضاءات أوسع، مشددا على ضرورة احترام “الليلة الغناوية” وطقوسها التقليدية التي يجب أن “تبقى ثابتة وغير قابلة للتحريف”.
وأوضح بنشمسي، أن “الفن الكناوي التقليدي الأصيل ما زال محصورًا داخل دار الليلة بطقوسه، ولا يخرج للعموم إلا عبر مهرجان الصويرة”، مشيرًا إلى أن “المهرجان يُعد المنصة الأبرز التي قدمت هذا التراث في شكله النقي”.
وأكد أن “كل من أدمج آلات موسيقية جديدة أو مزج غناوة بأنماط موسيقية أخرى، فهو مرحّب به، لأنه يفتح آفاقًا جديدة لهذا الفن ويُوصله إلى أماكن لم يصلها اللون التقليدي وحده”، لكنه في الوقت ذاته شدد على أن هذا التطوير “لا يجب أن يرافقه ادعاء المعلمية”، قائلاً: “من دخل على غناوة بإبداعه، مرحب به، لكن لا تُسمِّ نفسك معلمًا”.
كما دعا إلى إبراز الجيل الجديد من “المعلمية” بشكل طبيعي ومن دون ضغط أو تجنٍّ على الإرث، موضحًا أن “الخلافة الفنية يجب أن تبقى متصلة بروح غناوة الأصيلة”.
وعن مشاركته في المهرجان، عبّر بنشمسي عن فخره بالوقوف على نفس المنصة مع المعلمين الكبار الذين تأثر بهم منذ صغره، قائلاً: “كنت أستمع لهم وأتعلم منهم، واليوم أشاركهم نفس الخشبة، وهذا مصدر فخر كبير لي”.
“الجدبة” تواجه خطر الانقراض
وقال فهد بنشمسي، إن “فن غناوة بخير ولن ينقرض كما يروّج البعض”، مشددًا على أن من يعتبره يحتضر “لا يعرف عمق الطقوس ولا تطوّرها داخل الأجيال”.
وأوضح بنشمسي، أن “كل من يقول إن غناوة تموت، هو ببساطة من غير المحبين للتغناويت”، مضيفا اليوم الكل يحفظ “الطروحة”، بل لم يسبق أن كان هناك هذا الكم من الشباب المتحمّس لتعلم آلة “الكمبري”.
واستدرك المتحدث ذاته، إن كانت هناك خطورة فهي ليست في الغناء ولا في العزف، بل في غياب بعض مكونات الطقس مثل “الجدبة”، لافتا إلى أن “الجدابة” النساء اللواتي يشاركن في الطقس الغناوي بطقوس وجدانية ورقصية دقيقة “أصبحن نادرات اليوم”.
وحذر من أن “غيابهن سيؤدي إلى خلل في تسلسل الطروحات الغناوية، إذ أن كل طرح يحتاج لمن يجدب عليه”، مشددا على أن “غناوة ليست مجرد غناء وغنبري، بل هي نظام متكامل فيه دخول وخروج من الطرح، فيه المقدّمة والمعلم والحساب، وهذا يُضبط داخل الليلة بطقوس دقيقة، لا يمكن تعويضها بمظاهر سطحية من قبيل الصراخ أو سكب الشمع” كما يٌرى على منصة التواصل الاجتماعي “تيك توك”.
كما أكد أن “الجيل الجديد من المعلمين موجود، وشباب اليوم يتعلمون عن وعي ومسؤولية”، لكن ما ينقص حسب قوله هو “الخلافة في الجدبة”، داعيًا إلى “الوعي بخطورة هذا الغياب على استمرارية فن كناوة”.
وختم الفنان فهد بنشمسي تصريحه بدعوة مفتوحة للجمهور قائلاً: “تعالوا لمهرجان حتى ترو تغناويت كيف تكون، وترو المعلمية الكبار، وفي المستقبل تقول أنا حضرت للمعلم فلان، وكنت حاضر مع الجيل الجديد”.