“فتح الحساب مقابل التأشيرة”.. براهمة: الشرط الأمريكي انتهاك لخصوصية المغاربة

أعلنت السفارة الأمريكية في الرباط فرض تعديل إعدادات الخصوصية في الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمتقدمين للحصول على تأشيرات الدراسة والتدريب، في قرار جديد بررته بكونه يتعلق بـ”الأمن القومي”.
ويشمل الإجراء، الذي أثار استياء حقوقياً في المغرب، المتقدمين للحصول على تأشيرات الدراسة والتدريب في الولايات المتحدة، سواء في البرامج الأكاديمية (F)، أو المهنية (M)، أو برامج التبادل الثقافي والتعليمي (J).
في هذا الصدد، اعتبرت سعاد براهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن هذا الشرط يعد “خرقاً ومساً واضحاً بالحق في الخصوصية”، مشيرة إلى أنه لم يعد بإمكان الإنسان الحفاظ على حساباته الخاصة، وعلاقاته الشخصية مع أصدقائه “دون أن يُجبر على فتحها للعامة”.
وأضافت براهمة أن هذا القرار يُعدّ أيضاً “شكلاً من أشكال تقييد حرية التعبير”، مبرزة المفارقة المتمثلة في أن “الدولة التي تدّعي الدفاع عن هذه الحرية، هي نفسها التي تنتهكها من خلال هذه الشروط”.
وشددت المحامية والحقوقية المغربية على أن من حق أي مواطن التعبير عن آرائه بالطريقة التي يراها مناسبة، “ولا يجوز أن يكون من شروط الحصول على التأشيرة فتح الحسابات الشخصية للعموم”، معتبرة ذلك “تقييداً لحرية التعبير”.
واستطردت براهمة أن إعلان السفارة الأمريكية “يُعد مساً بالكرامة الإنسانية”، متسائلة: “كيف يُعقل أن يُجبر الشخص على فتح خصوصيته؟”، وأشارت إلى أن هذا التصرف يعد “تدخلاً في حياته الشخصية وآرائه، كما أنه شكل من أشكال الإهانة التي تمس كرامة المواطن المغربي”.
وترى رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مثل هذه الشروط “تُعتبر رقابة مسبقة على الآراء”، مستذكرة أن سنة 2019 شهدت كذلك شكلاً من أشكال المراقبة، لكنها “كانت تطبق فقط في حال وجود تهديد أمني واضح مثل الإرهاب”.
وأكدت أن اشتراط تعديل إعدادات الخصوصية في الحسابات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى “عام”، يتجاوز الغرض المشروع من منح التأشيرة، وهو حرية التنقل، منبهة إلى أنه من حق كل إنسان “الاحتفاظ بخصوصيته، والتعبير عن آرائه بحرية، وألا تُستغل التأشيرة كوسيلة للمراقبة أو القمع”.
واعتبرت براهمة أن التدخل في الحياة الخاصة وفي الآراء والمواقف يشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق التي يكفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وخاصة الحق في عدم التعرض للمعطيات الشخصية بشكل تعسفي، والحق في التنقل، وحرية الرأي والتعبير.
وحذرت من أن هذا التدخل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في الحياة الخاصة للطلبة والأكادميين المغاربة “غير قانوني وغير مبرّر”، مشيرة إلى أنه قد يفضي حتى إلى التمييز “لأن هذا الشرط قد لا يُفرض على متقدمين من دول أخرى”.
وبالتالي، ترى براهمة أن هذا الإجراء يمثل “معاملة مهينة تنتقص من كرامة المغاربة”، بالإضافة إلى كونه “تقييداً غير مشروع لحرية الرأي والتعبير، وانتهاكاً للحق في الخصوصية”.
أما عن السياق الذي جاء فيه هذا الإجراء الأمريكي، فأشارت سعاد براهمة إلى أن القضية الفلسطينية وما أثارته من تحريك للرأي العام الدولي لصالحها في الآونة الأخيرة، هو “بيت القصيد” من هذا القرار.
وأوضحت أنه مع التوجه العالمي الحالي نحو تقويض المنظومة الكونية لحقوق الإنسان واعتماد “قانون القوة” بدلاً من “قوة القانون”، أصبحت الدول الكبرى تمارس الرقابة وتضيّق من احترام الحقوق والحريات والمواثيق الدولية، خاصة بعد الإجماع الشعبي الدولي الذي بات يُقرّ بأن ما تتعرض له غزة هو خرق جسيم لحقوق الإنسان، وأن ما يقوم به الصهاينة بدعم أمريكي يُعدّ إبادة جماعية”.
وخلصت براهمة إلى أن هذا الشرط الأمريكي يبدو، في هذا السياق، وسيلة للتضييق على الآراء المؤيدة للقضية الفلسطينية، وبالتالي على الحقوق والحريات بشكل عام.
ويأتي قرار السفارة الأمريكية في المغرب في إطار تشديد الإجراءات الأمنية للولايات المتحدة لفحص هويات المتقدمين للتأشيرات، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من عملية التقييم. كما تدخل هذه السياسة الجديدة في إطار هجوم أوسع تشنه إدارة ترامب على الجامعات في سياق الاحتجاجات الطلابية الأخيرة تضامناً مع غزة.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نقلت في 18 يونيو الماضي عن مسؤولين في الخارجية الأمريكية قولهم أن هذه الأخيرة تعتزم فحص تأشيرات الطلاب والزائرين الأكاديميين بحثاً عن أي “عداء” مُحتمل تجاه الولايات المتحدة، إذ سيُطلب منهم جعل حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي “عامة” لأغراض المراجعة.
وتفجرت احتجاجات طلابية في الجامعات الأمريكية تنديداً بحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في حق الفلسطينيين منذ عقود طويلة.
وشنت إدارة ترامب هجوماً واسعاً على الجامعات، التي من أبرزها جامعة هارفارد، إذ بدأت مراجعة رسمية لتمويل اتحادي يبلغ نحو 9 مليارات دولار للجامعة، وطالبتها بحظر ممارسات التنوع والمساواة والشمول، واتخاذ إجراءات صارمة ضد بعض الجماعات الداعمة للفلسطينيين.
من جانبها، رفضت جامعة هارفارد العديد من مطالب ترامب، ووصفتها بأنها هجوم على حرية التعبير والحرية الأكاديمية، كما رفعت دعوى قضائية ضد إدارته بعد أن علقت نحو 2.3 مليار دولار من التمويل الاتحادي للمؤسسة التعليمية.