story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

فاعلون: لجوء المواطنين للعمال والولاة يعكس أزمة ثقة عميقة في المنتخبين

ص ص

بعد المسيرات الاحتجاجية التي عرفها إقليم أزيلال نحو العمالة مؤخرا لإسماع صوت الساكنة وتسليط الضوء على ظروفهم الصعبية، اعتبر فاعلون وحقوقيون أن لجوء المواطنات والمواطنين في كل أزمة اجتماعية أو مطلبية إلى العمال أو الولاة، بدل مؤسسات الوساطة المنتخبة، يكشف عن “أزمة ثقة عميقة” في المجالس والجماعات والجهات “التي يفترض أن تضطلع بأدوار التمثيل والحل والتنمية”.

ويؤكد المهتمون أن هذا السلوك “يعكس استمرار علاقة تقليدية بين الدولة والمجتمع”، حيث يُنظر إلى ممثلي السلطة المعيّنين باعتبارهم “المخاطب الفعلي والقادر على إيصال المطالب إلى المركز”، في مقابل تراجع مكانة المؤسسات المنتخبة التي “أضعفتها السياسات العمومية وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وكان إقليم أزيلال الثلاثاء 9 شتنبر 2025 قد شهد مسيرات احتجاجية انطلقت على إثرها وفود من أربع جماعات مختلفة في اتجاه مقر العمالة، رافعة مطالب تتعلق بتحسين أوضاع التعليم والصحة والبنية التحتية، إلى جانب الدعوة إلى إطلاق برامج تنموية تعالج العزلة والتهميش المزمن الذي تعانيه المنطقة.

ويأتي ذلك بعد شهرين عن المسيرة التي قام بها ساكنة منطقة آيت بوكماز باتجاه عمالة أزيلال، حيث قطع المحتجون آنذاك مسافة طويلة مشيًا على الأقدام، رافعين مطالب تنموية أساسية.

وفي السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي والحقوقي خالد البكاري أن تجاوز عدد من الحركات الاحتجاجية لمؤسسات الوساطة المنتخبة، مثل مجالس الجماعات والجهات، والتوجه مباشرة نحو العمال أو الولاة باعتبارهم ممثلين لوزارة الداخلية، يجد تفسيره في قوة المؤسسة الترابية المعيّنة وضعف المجالس المنتخبة، وخاصة مجالس الجهات التي تكاد تكون على حد تعبيره “بلا صلاحيات حقيقية”.

يملك سلطة فعلية

وأوضح البكاري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن المواطنين، بحكم احتكاكهم اليومي بالإدارة، “لا يجدون مخاطبًا يملك سلطة فعلية للتدخل سوى العامل أو الوالي، مضيفا أنه “في المناطق القروية، غالبًا ما يلجؤون إلى العامل بدل رئيس الجهة”.

وتابع أنه “حين يتعذر الحل على المستوى المحلي، يصبح من الطبيعي أن يتحول المخاطب إلى مؤسسة الوالي أو العامل، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على ربط الاتصال بالمركز (وزارة الداخلية)، في وقت يفشل فيه رؤساء الجهات أحيانًا حتى في التواصل مع وزراء أحزابهم”.

وأشار المتحدث إلى أن “المشهد الاحتجاجي عادة ما يبدأ محليًا، حيث يكون المخاطب هو رئيس الجماعة، لكن مع توسع المطالب يصبح المخاطب العمالة أو الولاية، أي الانتقال من سلطة الانتخاب إلى سلطة التعيين”.

وأضاف أنه “حتى حين يرتقي الاحتجاج إلى المستوى الوطني، ورغم أن الساحة المقابلة للبرلمان تكون هي فضاء التظاهر، فإن الشعارات المرفوعة وصور الملك التي تصاحبها توضح أن المخاطَب الحقيقي ليس البرلمان، بل المؤسسة الملكية”.

ولفت البكاري إلى أن “الدولة تدرك هذا الواقع، ولهذا تُكلّف ولاية الرباط عادة بمحاورة المحتجين القادمين من مناطق بعيدة، بينما نادرًا ما يتم استقبالهم من طرف ممثل عن رئاسة مجلس النواب أو حتى رئاسة الحكومة”.

وختم بأن هذه الوضعية تعكس “استمرار العلاقة التقليدية بين المواطنين والسلطة”، حيث يتم تجاوز المنتخبين نحو المعيّنين الذين يُنظر إليهم في الوعي الجمعي كمن ينوب عن الملك، معتبرا أن ه”ذا التصور ليس جديدًا، بل هو امتداد لمرحلة ما قبل الاستعمار، حين كان الرعايا يتوجهون بالشكوى إلى ممثلي السلطان بسبب جور القياد أو تقصيرهم في الأمانة، إما لطلب إيصال مطالبهم إلى الملك أو للاحتجاج على إخلالهم بواجب الاستخلاف”.

أزمة ثقة عميقة

من جانبها اعتبرت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن خروج المواطنات والمواطنين في احتجاجات بعدد من المناطق وتوجههم مباشرة نحو العمالات والولايات، “ليس مجرد حركة مطلبية ظرفية، بل تعبير واضح عن انسداد قنوات الوساطة وفشل المؤسسات المنتخبة في القيام بأدوارها التمثيلية والتنموية”.

وأوضحت التامني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن لجوء الناس إلى ممثلي السلطة الترابية يكشف أن الجماعات والمجالس “لم تعد تُرى كفضاءات قادرة على حل المشاكل اليومية”، مشيرة إلى أن ذلك يعكس “أزمة ثقة عميقة” في المؤسسات المنتخبة.

وأضافت أن “هذه الوضعية ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة طبيعية لسياسات أضعفت الأحزاب الجادة، وسمحت بصعود منتخبين يفتقرون إلى الكفاءة والحصيلة، في ظل غياب ربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة”.

وشددت البرلمانية على أن ما يجري يمثل “مؤشراً خطيراً” على هشاشة النموذج التنموي وتنامي الاحتقان الاجتماعي، مما يفرض إجابات سياسية وتنموية عاجلة، عبر فتح حوار جاد وإرساء عدالة مجالية واجتماعية، إلى جانب إعادة الاعتبار للعمل السياسي النزيه وتخليق الحياة العامة، وتقوية المؤسسات بمقاربة ديمقراطية فعلية وإرادة حقيقية قادرة على التقاط نبض الواقع.