story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

فؤاد عبد المومني يكتب: ربع قرن ضائع من زماننا!

ص ص

خصّ الناشط الحقوقي والمدني، فؤاد عبد المومني، العدد الخاص من مجلة “لسان المغرب” الصادر بمناسبة الذكرى 25 لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم، بمساهمة هذا نصها الكامل:

ربع قرن من التوقعات المحبَطَة. مستوى توظيف السكان منخفض جدًا ومستمر في الانخفاض. طبقة وسطى تراجع مستوى معيشتها بشكل كبير. نظام التعليم والصحة في حالة يرثى لها. مستوى غير مسبوق من الافتراس والاستيلاء على الدولة. الإفلات التام لبارونات النظام من العقاب. احتكار غير مسبوق للسلطة والثروة. إضعاف كبير لنخب النظام وترهيب للأصوات المنتقدة. ولا أفقا منظورا لتغييرات واعدة بمبادرة الحاكمين ودون كلفة باهظة جدا.

فشل عام في إنجاز التغيير الهيكلي

تُسائلنا حصيلة “العهد الجديد”، وقد شاب بعد أن عَمَّرَ ربع قرن من الزمان. وأول ما يمكن تقييمه هو مدى وفائه بوعوده، التي يمكن تلخيصها، كما عبر عنها المكلفون بالتواصل باسمه، في بناء مجتمع حداثي ديمقراطي يتأسس على مفهوم جديد للسلطة، والإقلاع الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي والقضاء على الفقر والهشاشة، والمصالحة مع ضحايا القمع والتهميش.

لا يسع المرء إلا أن يسجل بادئ ذي بدء أن بعض الأمور قد تحسنت، دون السقوط في الإسفاف كما يعبر عن ذلك البعض، من قبيل التأكيد على أهمية عدم السقوط في مستنقع الحروب الأهلية، أو التأهل لربع نهاية كأس العالم الأخير لكرة القدم، أو توفر بلدنا على الموز.

مما يُسَجل، هو ما استفادت منه فئات معوزة، كالتزويد بالماء الشروب والكهرباء وتقوية شبكة الطرق القروية وتعميم ولوج التعليم، وما تنعم به أساسا الفئات الميسورة كالمطارات والطرق السيارة والقطار الفائق السرعة.

لكن الوعود في جوهرها تبخّرت، إذ تمت الاستعاضة عن الحداثة ببعض مظاهرها، وأصبحنا أبعد من وعد الديمقراطية والحكامة الجيدة ودولة القانون مما كُنا عليه نهاية القرن الماضي، وتراجع الترتيب الدولي للبلاد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبقيت المصالحات رهينة لحسابات تكتيكية تدخل في عداد المُسَكِّنات ولا تبني أسسا لغد آمن.

ويُفْهَمُ من تصريحات بعض المسؤولين القطاعيين، خصوصا عن الداخلية والكرة والنقل والطاقات المتجددة والقطاعات الاجتماعية، أن القصر عازم على استثمارات هائلة لا قِبَل للمغرب بتمويلها ولا أمل له في استغلالها دون خسارات فادحة ودون رهن البلاد للدائنين والمستثمرين.

طبعا التنمية ليست فقط تخطيط الساسة. هي أيضا ثقافة مجتمعية وقيمة للمجهود وللكفاءة وتضحيات متقاسمة وتعاقدات ذات أفق بعيد. لكن كل هذه العناصر تبقى رهينة بالمبادرة السياسية، التي تجعل المعطيات في متناول الجميع، وتوفر للجميع إمكانية استيعاب الخيارات المتاحة والتضحيات المطلوبة، وتوفر الفضاء المؤسسي ذو مصداقية للحوار والتفاوض والتتبع والتقييم والتكييف.

أما احتكار المعلومة والقرار، وإعمال استراتيجيات وبرامج وميزانيات في السر، وعدم تحمل مسؤولية النتائج، وتنويم الحس النقدي بالوعود بالدولة الاجتماعية التي لا تتوفر شروطها المادية، وعلى رأسها الاقتصاد والمجتمع المنتجان، فلن نجني من ورائها سوى المزيد من الفشل.

وقد كان من نتائج هذا الفشل العام في إنجاز التغيير الهيكلي استمرارُ آفات البلد، من تعاظم العطالة والشغل الغير اللائق، وتغول الاستحواذ والرشوة والمحسوبية، وتسلط وقمع وإقصاء أصحاب الرأي المستقل ونشطاء الحراكات المجتمعية، وتلطيخ سمعة ما تبقى من نخب المخزن بتوريطها في مواجهة المجتمع (سواء بالتطبيل لسياسات المخزن أو تبرير القمع، ولربما أكثر من هذا وذاك بانخراطها في التطبيع والتحالف مع نظام الاحتلال والميز العنصري والإبادة)، وتذويب ثقة المجتمع في النخب والمؤسسات والمستقبل، واستمرار الارتهان لحالة الاحتقان في الصحراء وسباق التسلح مع الجزائر، وتضييع إمكانات البلد في استثمارات باذخة لا تُنْتِج النمو المتواتر ومناصب الشغل اللائق المستدامة.

ولا شك في أن هذا الوضع لن يتحسن ما دام النقاش العمومي وصراع الأفكار والمشاريع مُغَيَّبَيْن، والسلطة محتَكَرة من طرف المحيط الملكي وغير مُعَرَّضَة لكشف الحساب والمساءلة والجزاء.

وقد أقر الملك محمد السادس بالفشل حين طرح سؤال “أين الثروة؟”، وحين أقرَّ بالحاجة ل”مشروع تنمية جديد”، لكننا رأينا كيف بقيت هذه الخطابات والمشاريع حبرا على ورق، ولم تخلق دينامية للتغيير التي تؤتي بعض الثمار. ويبدو أن أهم كابح للتغيير المنشود هو عدم استعداد نخب القصر ومحيطها للتخلي عن استبدادها بالسلطة واستحواذها على الثروة وإفلاتها من المحاسبة والعقاب. وهذا ما يترك الحبل على الغارب.

في هذا الوضع، يكتفي الحاكمون بمزيد من الاستئثار بالثروة وتصدير أجزاء وافرة منها للخارج، ويعتبرون الاستقرار هدفا كافيا في حين تندحر تنافسية بلادنا ويتراجع موقعها بين الأمم.

الإصلاح يتطلب إيقاعا سريعا للتفكير وللفعل وللتشارك، وهذا يقتضي حضورا قويا ودائما لأصحاب القرار، كل في ميدان تخصصه وصلاحياته، وبقدرته على المبادرة والتفاعل والتفاوض. ولا يمكن تطوير هذه القدرات في ظل نظام يُقَدِّس القائد الفرد المركزي ولا يرضى أن يكون لغيره حضور مستقل، خصوصا حينما يكون هذا القائد كثير الغياب وقليل الكلام والتفاعل.

أكبر سقطة: حماية المتواطئين على أثمان المواد البترولية

لقد شكل قرار القصر الملكي في يوليوز 2020 بتعليق عمل مجلس المنافسة وتجميد قراره بزجر شركة أخنوش والمتواطئين معه على الأرباح الفاحشة في أثمان بيع المواد البترولية، مغامرة قد يكون ثمنها باهظا من حيث الثقة في المؤسسات واحترام سيرها.

فقد كان قد حصل إجماع النخب والرأي العام على أن الشركات المعنية تواطأت لمضاعفة هامشها الربحي من نصف درهم في اللتر إلى ثلاث أو أربع أضعاف هذا المبلغ، محققة بذلك أرباحا فاحشة تتراوح بين 8 و16 مليار درهم سنويا. وقد سبق لحكومة بنكيران أن بررت التخلي عن التحديد الإداري لأثمان المواد البترولية بأن المنافسة ستدفع نحو تقليص هامش الربح، فإذا بالتواطؤ يضاعفها عدة مرات.

وبعد أن تعبأ المغاربة لمقاطعة شركة أخنوش وشركتين أخريين في 2018، وبعد التحاليل الصحفية التي بينت أن الأثمان في السوق المغربية كانت ترتفع بارتفاع الأثمان الدولية ولكنها لا تساير انخفاض هذه الأخيرة، وبعد استنكار والي بنك المغرب هذا الوضع علنا، وبعد تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية التي أقرَّت بالتواطؤ، اضطر مجلس المنافسة لدراسة شكاية نقابة للنقل، ثلاث سنوات بعد إيداعها في 2017، وأقرَّ ذنب الشركات المعنية وقرر تغريمها. لكن رئيس المجلس، عوض تبليغ الأطراف فورا والمرور لإنفاذ القرار، اختار أن يخرق القانون بإحالة القرار على القصر الملكي وانتظار الضوء الأخضر.

بعد بضعة أيام، وفي غيات الرد المنتظر، دعا الرئيس لاجتماع جديد للمجلس، واستصدر منه قرارا يقلص نسبيا الغرامة ضد رواد القطاع الثلاث. لكن القصر لم يمهله، بل اعتمد “ورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس” لِيُعَلِّق المجلس وقراره، رغم أن “القرار المعتمد من طرف الجلسة العامة ليوم الأربعاء 22 يوليوز (تم) بموافقة 12 صوتا ومعارضة صوت واحد”.

استمر تعليق المجلس إلى غاية مارس 2021، حيث تم تعيين رئيس جديد للمجلس، لكن هذا الأخير لم يعلن عن قراره إلا في نهاية شهر نونبر 2023، باتفاقيات صلح مع 9 شركات، تدفع بموجبها هذه الشركات مبلغ 1.84 مليار درهم كتسوية بشأن ممارسات منافية لقواعد المنافسة في الأسواق.

هكذا، وبتوريط القصر الملكي المفروض فيه الحياد، أفلت أخنوش من الإدانة الرسمية بعرقلة قوانين المنافسة والتواطؤ على سرقة المغاربة، وتقدم لانتخابات شتنبر 2021 التي ستعطيه رئاسة الحكومة، والتي قيل عنها أنها كانت أكبر موسم لتوزيع المال الحرام من أجل شراء أصوات الناخبين، وحكم عليه وشركاءه بغرامة تتراوح بين 3 و 4٪ من قيمة الأرباح الفاحشة التي جَنَوْها بفضل تواطؤهم، ولا زالوا مستمرين في جني هذه الأرباح، متمتعين حاليا بتغطية قانونية من مجلس فقد المصداقية وأفقدها لكافة مؤسسات النظام المغربي.

ذر الرماد في العيون

ضجت بعض المحافل هذه الأيام بأرقام اعتُبِرت دليلا على نمو باهر، مفادها أن المغرب عرف في ال25 سنة الأخيرة ارتفاعا للناتج المحلي الإجمالي من 46 إلى 131 مليار دولار، أي بزيادة 183% أو ما يقارب الثلاثة أضعاف.

والحال أن النمو الحقيقي للدخل الفردي المتوسط هزيل جدا، فتوزيع هذه الأرقام على ال25 سنة يعطينا نمواً بنسبة 4.3% سنوياً. ويخص هذا الرقم النمو الإسمي، الذي يجب أن نخصم منه للحصول على النمو الخام نسبة تضخم الدولار الأمريكي، التي بلغب متوسطا قدره 2.75 % سنوياً خلال الفترة المعنية، يصبح معدل النمو الحقيقي 1.55% سنوياً، أي حوالي ربع المعدل المستهدف من طرف «النموذج التنموي الجديد» كشرط لتحسن أوضاع البلاد.

وعندما نحسب نصيب الفرد، ونظراً لمتوسط النمو السكاني الذي يبلغ نحو 1.2% سنوياً، فإن معدل النمو للفرد لا يتجاوز 0.55% سنوياً. وبما أن أغنى 10% من المغاربة زادوا خلال هذه المدة من استحواذهم على الثروة على حساب بقية السكان، ندرك أن دخل الفرد ل90% من السكان قد انخفض بالفعل في عهد محمد السادس.

فهل سيعي الـ10% المحظوظون أنهم لن يسلموا من سوء نُمُوِّنا، لأن وجودك في الدرجة الأولى للسفينة أو في مخزن الأمتعة لا يغير شيئا عندما تغرق سفينة التيتانيك.