عودة ترامب.. السيناريُوهات الممكنة لتعزيز العلاقات بين الرباط وواشنطن
بعودة الرئيس الأمريكي الجديد/القديم، دونالد ترامب، إلى كرسي الرئاسة بالبيت الأبيض، يتجدّد السؤال حول مصير العلاقات المغربية الأمريكية التي شهدت في ولايته الأولى زخما كبيرا، تمثّل في توقيع “اتفاقيات أبراهام” الثلاثية بين الرباط وواشنطن وتل أبيب.
وتأتي هذه العودة في سياق إقليمي ودولي جديد، يرخي بظلاله على العلاقات الثنائية بين البلدين، وآفاق الوضع الإقليمي وما سيكون عليه في الأشهر والسنوات القادمة؟ وهل سيعزز ترامب الاتفاق السابق مع المملكة المغربية وتتفيذ وعده بتدشين قنصلية أمريكية في الأقاليم الجنوبية، أم سيأتي بدفتر تحملات جديد؟
وهي أسئلة ضمن أخرى يجيب عنها ضيوف برنامج “من الرباط”، الذي بثّ يوم السبت 25 يناير 2025، على القناة الرسمية لصحيفة “صوت المغرب” على يوتيوب. وتناول موضوع غزة وانتصار المقاومة من عدمه، ثم مستقبل العدوان الإسرائيلي بعد عودة ترامب للبيت الأبيض، وعلاقة كل ذلك بمصالح المملكة المغربية.
ترامب بين 2016 و2024
يقول الكاتب والصحافي حمزة الأنفاسي، إن هناك خطأ منهجيا في “تحليلات كثير من الناس ممن طالعت كلامهم حول ملف العلاقات المغربية الأمريكية بعد عودة الرئيس دونالد ترامب. بحيث يُسقطون السنوات التي قضاها ترامب في البيت الأبيض منذ 2016 على السنوات التي سيقضيها حاليا، والحال أن لا علاقة بين ترامب اليوم وترامب حينذاك”.
فترامب في ولايته الأولى، يواصل المتحدث، كان رجل أعمال دخل السياسة من باب رئاسة البلد، بينما ترامب اليوم احتك بالسياسة وغَذَا كائنا سياسيا محضا، بل أبرزَ زعيمٍ في أمريكا المعاصرة.
كما أن الأربع سنوات التي سبقت ولايته الحالية، عندما لم يكن رئيسا، كانت مفيدة بالنسبة له، بحيث تعمّق خلالها تكوينه السياسي أكثر.
وضرب الأنفاسي مقارنة بين ترامب وباراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، وأحد أهم زعماء الحزب الديمقراطي.
وقال إن أوباما خلال فترة ترشح كامالا هاريس أمام ترامب، المنتمية بدورها للحزب الديمقراطي، لم ينجح في التعبئة لها، بل فشل في استمالة ود المواطنين السود.
وفي المقابل كانت علاقة ترامب بالأقليات العرقية في أمريكا أكثر متانة من باقي منافسيه، بل وزادت قوة عما كانت عليه في ولايته الأولى.
وبخصوص المغرب، يرى الأنفاسي أن لديه فرصة كبيرة لكي يتموقع بشكل أفضل داخل الرقعة التي رسمها ترامب لسياسات بلاده في العالم، وأولوياتها خلال الفترة الجديدة.
وسجّل ما مفاده أن المغرب لديه هذه الفرصة لأنه يتوفر على أوراق للتفاوض، ومن أبرزها انفتاحه على شركاء اقتصاديين غير تقليديين كالصين وروسيا، هو الذي عرف دوما بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل أساسي.
وأحال الأنفاسي على ورقة بحثية نشرها المركز البريطاني، “تشاتام هاوس”، مؤخراً، وتتحدث عن احتمالية أن يجد المغرب نفسه وسط معركة اقتصادية طاحنة بين قوى كبرى.
وقال إن الحرب الاقتصادية هذه قد تكون بين الصين وأمريكا. فالرسوم الجمركية الكبيرة المفروضة على الصين في أمريكا، قد تحاول بكين المناورة لتفاديها عبر المرور عن طريق المغرب الذي تربطه هو والمكسيك علاقة تبادل حر مع أمريكا.
وزاد المتحدث ذاته: “المغرب فهم من هو ترامب، وفهم من خلال القوانين التي مرّرها في ولايته السابقة أنه سياسي يريد إعادة الاعتبار للاقتصاد الأمريكي، عن طريق شعار أمريكا أولاً وعن طريق انفتاحه على التفاوض مع الجميع.
لهذا بإمكان المغرب الاستفادة بشكل كبير من هذه الولاية الجديدة. فالوزارة الأمريكية التي تتعامل مع دول العالم هي الخارجية. والشخص الذي كلف بها هو ماركو روبيو، كوبيّ الأصل، الذي فرّ من نظام فيديل كاسترو.
وفي سنة 2021 كان يدعو لفرض عقوبات على الجزائر. فمن السهل على المغرب ربط سبل الود معه لأن هناك توافقا في الأفكار، ولأنه سيناتور في ولاية فلوريدا التي تُعرف بأنها مؤثرة اقتصاديا على الصعيد الفدرالي.
والأهم أن الدبلوماسية المغربية بصيغتها الجديدة مُمأسسة، وتتوفر على كفاءات عديدة، كل يقوم بدوره، ولها القدرة على الوصول إلى هذا السياسي وإقناعه بوجهة نظر المملكة”.
وأبرز الأنفاسي أن الأشخاص الذين شهدتهم الإدارة الأمريكية السابقة ولديهم تحفّظ من المغرب لم يعد لهم مكان في الولاية الجديدة، وهي كلها عوامل تساعد المغرب على تعزيز علاقاته مع الإدارة الأمريكية، في قضيته الوطنية الأولى، قضية الصحراء، لكن في قضايا أخرى أيضا، تهم الاقتصاد والتنمية والدعم التكنولوجي وغيرها.
وخلُص إلى أن الموارد التي تريد أمريكا إنفاقها لإعادة التموقع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بإمكان المغرب الاستفادة منها مستغلا موقعه الجغرافي الاستراتيجي.
الرباط واشنطن والجزائر العاصمة
من جهته، سجّل مصطفى ابن الراضي، الكاتب الصحافي، أن إدارة بايدن “صحيح أنها لم تتراجع عن اعترافها بالمقترح المغربي في قضية الصحراء. واستمرت في نفس نهج إدارة ترامب الأولى”. وبالتالي، فالإيجابي، يضيفُ، هو كون وجود احترام للاتفاق يتجاوز الإدارات المتعاقبة.
وزاد: “إذا أسّسنا على هذه الفرضية، نستطيع أن نستشفّ أن عودة ترامب ستعطي زخما أكبر لقضية الصحراء المغربية. لأن المحفز لترامب للاعتراف بمغربية الصحراء هو التطبيع مع إسرائيل. والتطبيع مع هذه الأخيرة من قبل الدول العربية هي مسألة استراتيجية بالنسبة لترامب الذي يميل لكونه صهيونيا ويدافع عن إسرائيل بشراسة، كما أن إدارته الأولى والحالية تتوفر على صهاينة أصيلين”.
ويرى أن دعم واشنطن للمغرب في قضية الصحراء سيستمر، بل وسيتعزّز، وسيحاول أن يستغل هذه الدينامية بشكل جيد، ويزيد الاستثمار فيها. و”حتى التناقضات التي تربط ترامب مع عدد من دول العالم، على المغرب الاستثمار فيها هي الأخرى”، يضيف المتحدث ذاته.
وبالنسبة لمستقبل العلاقة بين المغرب، والصحراء المغربية وترامب، يقُول ابن الراضي: “إما أن يفجر ترامب الأوضاع ونضطر للذهاب صوب مزيد من التأزيم إذا أحسّت الجزائر أنها حشرت في الزاوية مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ماركو ربيو، الذي لم يكن ودودا بتاتا مع هذه الأخيرة”.
ويضيف: “تغذي مؤشرات عديدة هذا السيناريو، من قبيل المناوشات التي وقعت في المنطقة العازلة، والمقذوفات التي سقطت بالسمارة وغيرها. ثم خلال مرحلة ما بعد صراع الكركارات، سنة 2020، دخلت الجزائر في سباق تسلح رهيب.
وبالإضافة لهذا كله فالنظام الجزائري يعيش انسداد أفق سياسي، قد يكون الحل للخروج منه هو تأزيم الوضع مع المغرب”.
والسيناريو الثاني يتمثّل في حلّ سياسي، مؤسَّس على ما راكمه المغرب لحد الآن من موقف فرنسي (الاعتراف بمغربية الصحراء) والموقف الإسباني، ويمكن الحصول على موقف أوروبي مشابه.
وسجّل ابن الراضي أن مرحلة ترامب الجديدة، مع ذلك، يمكن أن تأتي بدفتر تحملات يهم علاقة واشنطن والمملكة في عمقها الإفريقي.
وأوضح أن المغرب يؤثر في المنطقة الإفريقية التي لأمريكا مصالح اقتصادية فيها دون أن يكون له تأثير في مناطق أخرى في العالم.
مصالح مركّبة.. الاقتصاد والأمن
أما اسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، فأوضح أن تعزيز العلاقات المغربية الأمريكية شرطها الأساسي هو التطبيع مع إسرائيل.
ويمضي شارحاً: “كان هذا الربط هو الأخطر في الأمر. وكان فيه نوع من الابتزاز. “إذ تذهب أمريكا إلى أنه لو أرادت المغرب أن تحل قضيتها الوطنية الأولى، وأن تتموقع بشكل أفضل في المنطقة، فالبوابة هي إسرائيل. ويقتضي هذا المنطق، أنه إذا أراد المغرب أن يحقق باقي بنود الاتفاق (اتفاقيات أبراهام) فيجب أن يمر عبر تل أبيب. وهنا يكمن دور اللوبي الصهيوني الإسرائيلي، أي أن يجعل مفتاح البوابة الأمريكية هو تل أبيب وهذا اللوبي الصهيوني المشار إليه”.
وقال حمودي إن هذا تحدّي كبير بالنسبة للمغرب، فالاتفاق الثلاثي ليس فيه فتح سفارة إسرائيلية بالمغرب، بل يقضي بعودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب وإعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب. لكن المطالب الإسرائيلية تحوّلت في ما بعد إلى ضرورة فتح سفارة إسرائيلية بالرباط. والسؤال هنا: ما الذي يمكن أن يطلبه المغرب من ترامب، وما الذي يمكنه تقديمه لهذا الأخير؟
ويجيب حمودي على هذا التساؤل، بالقول إن الأمر يدور حول 4 مصالح كبرى. وهي: قضية الصحراء، وتقدم الملف خاصة على صعيد الاتحاد الإفريقي (عبر الوصول لـ36 صوتا لطرد البوليساريو) والأمم المتحدة (عن طريق تجميد الملف في اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار).
وهذان الهدفان يلزمان مساعدة من القوى الكبرى، كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ثم المصلحة الثالثة دعم المبادرة الأطلسية للمغرب التي تقضي بفتح المجال للدول التي لا تطل على المحيط الأطلسي للاستفادة من هذا الموقع الجغرافي، ونجاح هذه المبادرة من شأنه أن يحول المغرب إلى قوة رئيسية في المنقطة.
وزاد حمودي أنه بالتوازي مع الإعلان عن المبادرة المغربية، أعلنت شركات أمريكية عن مبادرة مماثلة في غرب إفريقيا، هي “ممر ليبرتي للتنمية” وستتقاطع هذه المبادرة الأمريكية مع نظيرتها الأمريكية الشيء الذي قد يفضي إلى تعميق المصالح المغربية الأمريكية المشتركة.
وأبرز المتحدث ذاته أن الاستثمارات الأمريكية في المغرب، تقتضي أن تتجه لمنطقة الصحراء، بل حتى في الجانب العسكري، لا تشمل مناورات الأسد الإفريقي التي يقوم بها المغرب بجانب الولايات المتحدة، الصحراء المغربية. وهي كلها قضايا يجب المضي فيها، إذا ما تعمّقت العلاقات الدبلوماسية أكثر بين الرباط وواشنطن في القادم من الأشهر والسنوات.
“هذا ضمن أجندة المصالح المغربية الأمريكية في القادم من الأيام، بالإضافة إلى التعاون الأمني والعسكري. فنحن تربطنا بالولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية عسكرية تمتد على مدى 10 سنوات، 2020-2030، ومن بنودها التسليح والتدريب والمناورات العسكرية المشتركة وغيرها. وهو مسار ماضٍ بشكل منفصل عن طبيعة العلاقات مع اختلاف الإدارات الأمريكية”، يقُول الأستاذ الجامعي.
وبالنسبة لسلوك ترامب مع المغرب، يركّز الرئيس الأمريكي حسب حمودي، على ضرورة تعزيز العلاقات مع إسرائيل، ووصف ذلك بالورطة الحقيقية. بحيث هل سيمضي المغرب في تطبيع دبلوماسي كامل مع إسرائيل، مقابل الحصول على امتيازات تهم مصالحه الاستراتيجية؟ وإلى أي اتجاه ستمضي المفاوضات الثنائية بهذا الخصوص؟
بل يتساءل حمودي عن موقف المغرب إذا ما كانت مطالب ترامب تذهب في اتجاه ضرورة انخراط المملكة في المواجهة بين أمريكا والصين وروسيا، وخاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة التي تشكل حساسية لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويمضي قائلا: “هل سينخرط المغرب؟ وهل سيستجيب لهذا التوجه الذي يلحّ ترامب بشأنه على الدول الأوروبية، وعلى كل الدول الحليفة لواشنطن؟ هذه ورقة علينا توقعها”.
كما يطلب ترامب، بحسب أستاذ العلوم السياسية، خدمات أمنية من الدول الحليفة له، وفي المناطق التي تعرف تهديدا للمصالح الأمريكية، و”هذه المصالح موجودة الآن في خليج غينيا ومنطقة الساحل والصحراء وفي مواجهة الصين، ولكن الحفاظ على استثماراته في القارة الإفريقية، ممر ليبيرني ثم الاستثمارات في النفط والغاز”.
ولم يستبعد حمودي أن يطلب ترامب استثمارات من المغرب كما حصل مع دول عربية خليجية. “الاستثمارات هي ذات حدين، فترامب طلب من السعودية 600 مليار دولار ويطمح لترليون دولار.
لكن هو لن يوافق على جميع المجالات التي تريد السعودية الاستثمار فيها. فالرياض تطلب مثلا الاستثمار في قطاع الطاقة النووية. هل سيوافق ترامب؟ الأمر رهين بالمفاوضات الدقيقة والشاقة”، يخلُص المتحدث ذاته.
لمشاهدة الحوار كاملا، يرجى الضعط على الرابط