story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

عمر أحرشان يكتب: شرارة الانطلاقة خفتت بسرعة لتتغلب الإخفاقات على الإنجازات

ص ص

خص الأستاذ الجامعي عمر أحرشان العدد الخاص من مجلة “لسان المغرب“، الصادر بمناسبة الذكرى 25 لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم، بمساهمة هذا نصها الكامل:

أول ما يتبادر إلى الذهن بمناسبة هذه الذكرى هو طول فترة التقييم، وهي توازي أكثر أو ما يقارب ست ولايات انتخابية في الدول الديمقراطية الجمهورية.

من الصعب جدا إطلاق حكم واحد على فترة تمتد ل25 سنة لأنها شهدت تموجات كثيرة انعكست على منحنى هذه الفترة لتجعله غير ثابت، فمرة كان يحدث بعض التقدم ومرات يحدث التردد ومرات نعيش التراجع، ولذلك يمكن القول بأن الخاصية المغربية هي جهل الجميع بالمحطة الموالية التي تحتمل كل شيء بما في ذلك الانتكاسة أو التقدم ولكن بدون ضمانات واستمرارية ترسخ المكتسبات.

يسجل على هذه الفترة أنها كانت تتأثر بشكل كبير بعوامل محيطة، سواء كانت داخلية (أحداث 16 ماي الإرهابية وحراك 20 فبراير مثلا) أو خارجية (الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 شتنبر 2001). وأحيانا كانت طريقة الحكم تتأثر بعوامل ذاتية ترتبط بمراجعات بشأن طريقة الحكم (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمبادرة المغربية للحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية).

يصعب كذلك نسب كل ما يحدث في المغرب للملكية، وخاصة بعد دستور 2011 الذي وسع نسبيا من اختصاصات مؤسسات أخرى مثل الحكومة والبرلمان. ولذلك يصعب تقييم هذه الفترة بمعزل عن باقي المؤسسات الأخرى إلى جانب الملكية التي تبقى مسؤوليتها قائمة بحكم الصلاحيات التنفيذية الواسعة للملك، من خلال المجلس الوزاري، وإشرافه على السياسة العامة للدولة التي لا صلاحيات تقريرية بشأنها للحكومة، بل يلزم أن تناقش في المجلس الوزاري حسب الفصل 92 من الدستور “السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري”، وقد وضح الدستور في الفصل 49 أنها هي “التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة”.

نعيش في المغرب منذ أزيد من عقد من الزمن بدستور ناقص لم تستكمل بعد قوانينه التنظيمية (قانون الإضراب، قانون الدفع بعد دستورية القوانين)، ولم يستكمل بعد بناءه المؤسساتي (المجلس الأعلى للأمن، الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي…) رغم أن الدستور نفسه ينص في الفصل 86 على وجوب عرض القوانين التنظيمية في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور، ولكن تم اللجوء إلى تأويل غريب لمقتضيات هذا الفصل أفرغه من مضمونه المراد منه.

ولا شك أن مسؤولية الملك قائمة لأنه هو الذي “يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي”. فلماذا لم تفعل مقتضيات الدستور؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك غير الملك؟ والمثير أن لا خطاب للملك تحدث عن هذا الأمر تذكيرا للحكومة والبرلمان عكس ما رأيناه في قضايا أخرى لا توازي من حيث الأهمية استكمال البناء الدستوري حيث وصل الأمر إلى غضبات ملكية صريحة وفي مناسبات وخطابات رسمية.

يمكن ملاحظة تواري حضور الملك في السنين الأخيرة مقارنة مع أولى سنوات الحكم، وهو ما أثار ملاحظة الكثيرين. قد يرتبط الأمر بأسلوب جديد في التدبير وقد يكون السبب ترك الهامش أوسع للحكومة والبرلمان، ولكن الملاحظ أن عدد المجالس الوزارية قل بشكل كبير مع أن صلاحياته واسعة، خاصة في مجال التعيينات في المناصب ذات الصبغة الاستراتيجية، والملاحظ كذلك أن الملك لم يفوّض صلاحية رئاسة هذا المجلس إطلاقا مع أن الدستور فتح هذه الإمكانية لرئيس الحكومة (ف48)، وهذا يثير أكثر من سؤال، خاصة في ظل تأخر كبير في بعض التعيينات التي تنتظر طويلا في ظل تباعد وتيرة عقد هذا المجلس مقارنة مع فترات سابقة.

ولا شك أن جزءا من المسؤولية يتحملها كذلك رؤساء الحكومات المتعاقبة الذين لم يطلبوا تفعيل هذا الأمر والإلحاح على عقد هذا المجلس لأنهم يتعاملون وفق سياسة الأمر الواقع وميزان القوى الموجود دون مراعاة ما يتيحه لهم الدستور.

على مستوى الإنجاز، يمكن القول إن المغرب تراجع في بعض المجالات بشكل ملحوظ مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل ربع قرن تقريبا. في مجال حرية الصحافة تراجع المغرب من الرتبة 89 سنة 2002 التي تزامنت مع صدور قانون جديد للصحافة وتحرير الاتصال السمعي البصري إلى الرتبة 129 سنة 2024.

وفي مجال حقوق الإنسان هناك تراجع كذلك تشهد عليه التقارير الحقوقية والوقائع المتواترة التي تؤكد كلها أن بعض التحسن الذي عرفه المغرب خلال فترة معينة لم يكن اقتناعا ولم يترسخ ولكنه كان تجاوبا فقط مع ضغوط دولية أو رغبة في حيازة شهادة إيجابية.

وحتى على المستوى الاجتماعي ورغم كل الجهود التي بذلت، ومن ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، نجد أن الأثر قليل مقارنة مع الأهداف المعلنة والميزانيات المخصصة، وأهم مؤشر على ذلك هو ترتيب المغرب المتأخر في مؤشر التنمية البشرية، وفي المجال الفلاحي عشنا هذه السنة أكبر دليل على فشل مخطط المغرب الأخضر حيث دفع المغاربة فاتورة مهولة لذلك بالارتفاع الصاروخي لأثمان الفواكه والخضراوات واللحوم والقمح ومشتقاته. ولا يخفى على أحد أن هذا المخطط وغيره حظي بعناية ومواكبة ملكية منذ البداية.

قد يطول رصد هذه التعثرات والإخفاقات ولا يتسع الحيز المخصص لذلك، ولكنها تؤكد كلها أن شرارة الانطلاقة خفتت بسرعة لتتغلب الإخفاقات على الإنجازات التي لا يمكن إنكارها، خاصة ما يرتبط بالبنيات التحتية مثل الطرق وغيرها.

ربع قرن فرصة مناسبة للوقوف مع الذات وفتح حوار وطني صريح وشامل لإعادة الأمل إلى المغاربة الذين لم يعودوا يثقون في السياسة والساسة، ولم تجذبهم كل السياسات التي وضعت لتعبئتهم وجذبهم للتعاطي مع الشأن العام، ومن ذلك آليات الديمقراطية التشاركية مثل العرائض والملتمسات بعدما يئست السلطات من قدرة آليات الديمقراطية التمثيلية على دفعهم نحو المشاركة.

المغرب في حاجة إلى رد الاعتبار للسياسة ومؤسسات الوساطة وإعلام حر ومستقل ودور حقيقي للنخب والمثقفين والمبدعين والتوقف عن سياسة التنميط التي صارت غالبة في كل المجالات.