على أبواب موجة حر.. توقعات بارتفاع وتيرة الحرائق وجهود لتعزيز سبل الوقاية منها
مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل حاد خلال الأسابيع الأخيرة، يزداد قلق المغرب من خطر تصاعد حرائق الغابات صيف العام الجاري، خاصة مع استمرار ظاهرة الجفاف التي تُضرب البلاد للعام السادس على التوالي.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الظروف المناخية، إلى جانب كثافة الغطاء النباتي في بعض المناطق، تُنذر بموسم حرائق غابات صعب على المملكة.
فقد توقعت الوكالة المغربية للمياه والغابات، الشهر الماضي، “تزايد خطر نشوب حرائق في غابات المملكة صيف العام الجاري؛ نظرا للجفاف وموجات الحرارة الطويلة المسجلة في البلاد”.
ولفتت الوكالة، في بيان آنذاك، إلى أن غابات المغرب، التي تغطي نحو 12 بالمئة من مساحة البلاد، شهدت خلال العام الماضي، 466 حريقًا، أتت على 6 آلاف و426 هكتارا (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) من مساحة تلك الغابات.
وفي عام 2022، سجل المغرب نحو 500 حريق اجتاحت أزيد من 22 ألف هكتار من غاباته، وكانت جهة الشمال في مقدمة المناطق المتضررة من تلك الحرائق بعدد 182 حريقًا، أتت على 1620 هكتارًا، وفق الوكالة.
تحذيرات من باحثين
يحذر باحثون في علوم البيئة، كذلك، من ارتفاع وتيرة حرائق الغابات بالمملكة هذا الصيف.
من بين هؤلاء الأستاذ بكلية العلوم التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمدينة الراشيدية، شكيل عالم، الذي توقع ارتفاع وتيرة الحرائق في البلاد خلال الصيف، خاصة في غابات الشمال؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الذي يضرب البلاد منذ سنوات.
وأوضح عالم، أن الجفاف وقلة التساقطات المطرية يُعتبران من أبرز أسباب اندلاع الحرائق، “وهي أسباب طبيعية تضاف إلى أخرى بشرية، سواء متعمدة أم لا”.
وأشار إلى أن الواحات في المغرب بدأت تشهد حرائق مؤخرًا؛ بسبب تداعيات الجفاف، وهي ظاهرة جديدة في البلاد، مقارنة مع السنوات الـ5 الماضية، حيث لم تكن هذه الواحات تعرف حرائق.
وحذر عالم من ارتفاع وتيرة الحرائق بالنظر إلى الجفاف والرياح القوية، التي تُصعب من عمليات الإخماد.
تعزيز المراقبة والإنذار
وعيًا بخطورة هذا التحدي، اتخذت الحكومة المغربية جملة من الإجراءات الوقائية والتقنية لمكافحة حرائق الغابات، والتي تهدف إلى التخفيف من حدّة الخطر وتقليل الأضرار المحتملة.
في هذا الصدد، قالت الوكالة المغربية للمياه والغابات، عبر بيان الشهر الماضي، إنها اتخذت كافة التدابير الاستباقية الرامية إلى الوقاية من وقوع الحرائق ومكافحتها.
وأوضحت الوكالة أنها خصصت ميزانية تبلغ 153 مليون درهم من أجل توفير التجهيزات والوسائل الكفيلة للحد من اندلاع الحرائق.
هذه الميزانية، وفق المصدر ذاته، سيتم استخدامها في شراء سيارات إطفاء جديدة، وتكثيف دوريات المراقبة الأرضية والجوية للرصد المُبكر لأي بوادر حريق، وصيانة أبراج المراقبة الموجودة في الغابات لضمان مراقبة فعالة للمنطقة.
إضافة إلى تجهيز نقاط الحصول على المياه اللازمة لعمليات الإطفاء، وفتح وصيانة الطرق داخل الغابات لتسهيل وصول فرق الإطفاء إلى مواقع الحرائق، وصيانة مصدات النار بالغابات، وهي عبارة عن مناطق تم إزالة المواد القابلة للاشتعال منها؛ لمنع انتشار حرائق الغابات.
إلى جانب التجهيزات الفنية وتكثيف المراقبة، أجرت السلطات المغربية تدريبات لفرق الإطفاء لتعزيز قدراتها على مواجهة حرائق الغابات.
ففي ماي، نفذت الوكالة المغربية للمياه والغابات محاكاة لعملية تدخل لإخماد حريق في غابات مدينة القنيطرة؛ بهدف تعزيز استعداد السلطات لمكافحة الحرائق.
كذلك واصل المغرب خلال الأشهر الأخيرة تعزيز أسطوله من طائرات كاندير، المتخصصة في إطفاء الحرائق، ليرتفع إلى 8 طائرات.
خرائط لرصد الحرائق
الجهود المغربية والاستعدادات لمواجهة الحرائق لم تتوقف عن هذا الحدد.
إذ تنفذ الوكالة المغربية للمياه والغابات حملات توعوية سواء ميدانية أو عبر الإعلام الحكومي لرفع مستوى وعي المواطنين بكيفية التصرف عن اندلاع حرائق الغابات، أو سبل الحد من اندلاع هذه الحرائق؛ حيث أنها قد تقع أحيانا جراء أخطاء بشرية.
كذلك، تصدر الوكالة بشكل دوري خرائط تنبؤ تحدد بدقة المناطق المعرضة بشكل أكبر لخطر اندلاع حرائق الغابات؛ بناءً على معطيات علمية متعلقة خصوصا بنوعية الغطاء الغابوي وقابليته للاشتعال، والتوقعات المناخية والظروف الطبوغرافية.
ووفق أحدث خريطة من هذا النوع، صدرت الشهر الماضي، تم تحديد الأقاليم في المغرب حسب درجة خطورة تعرضها لحرائق الغابات.
في هذه الخريطة، ضمت أقاليم “المستوى الأحمر”، الذي تواجه “خطورة قصوى” من حرائق الغابات، كل من طنجة، وأصيلا، وفحص أنجرة والحسيمة والناضور، وخنيفرة وبني ملال، وجدة أنكاد وتاوريرت وتازة.
فيما ضمت أقاليم “المستوى البرتقالي”، التي تواجه “خطورة مرتفعة”، كل من العرائش وشفشاون ووزان وصفرو، وتارودانت، والدريوش والرباط والصخيرات تمارة وسلا والقنيطرة.
أما أقاليم “المستوى الأصفر”، التي تواجه “خطورة متوسطة” فتشمل كل من تطوان ومضيق فنيدق، وأكادير إداوتنان.
تعزيز التنسيق والتعاون
إلى جانب ما سبق، يعمل المغرب على تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية بمكافحة حرائق الغابات، بما في ذلك الحكومة والجيش وأجهزة الدفاع المدني.
في هذا الصدد، قامت المملكة بوضع خطط مشتركة بين هذه الجهات؛ لمواجهة أي حريق قد يندلع، وتم إجراء تدريبات مشتركة لرفع قدرات فرق الإطفاء.
كما تعمل الوكالة المغربية على تنسيق العمل مع وزارة النقل، والمكتب الوطني للسكك الحديديّة، والمكتب الوطني للكهرباء؛ من أجل ترميم واقتلاع الأشجار المحاذية للطرق والسكك الحديدية وخطوط التيارات الكهربائية العالية التوتر التي تمر وسط الغابات.
الباحث المغربي شكيل عالم أعرب من جانبه عن ثقته بشأن جاهزية المغرب للتصدي لحرائق الغابات، وخاصة عبر طائرات كاندير، التي يمتلكها.
كما لفت عالم، في حديثه مع الأناضول، إلى أن بلاده لديها اتفاقيات مع دول أخرى، مثل البرتغال وإسبانيا، للتعاون في إخماد الحرائق.
وتعزز هذه الثقة تراجع حرائق الغابات في المغرب بشكل كبير، العام الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه.
إذ انخفضت حرائق الغابات بالمملكة بنسبة 70 بالمئة عام 2023 مقارنة بعام 2022 رغم تسجيل نفس الظروف المناخية الصعبة، وفق الوكالة المغربية للمياه والغابات.
(الأناضول)