عبد الحي المودن: فعالية الدولة في المغرب تُعوّض الديمقراطية
حوّل المفكر المغربي، عبد الحي المودن، لقاء تكريميا له نظم الأربعاء 4 أكتوبر 2023 برحاب المكتبة الوطنية بالرباط، إلى وقفة علمية وتحليلية للتحولات السياسية التي شهدها المغرب والعالم، من فقدان الديمقراطية لبريقها وانتعاش تيارات شعبوية تتبنى مبادئ تتعارض معها إلى تعويضها بفعالية الدولة في الميدان.
وفي اللقاء الذي شهد تقديم كتاب جماعي بعنوان “السياسة والتخييل” أهدته نخبة من الأقلام الجامعية إلى المودن عرفانا بإسهاماته الفكرية، توقف المحتفى به عند انحراف قطار الربيع العربي عن سكته وركود المد الديمقراطي مع ما بات يطرحه ذلك من حاجة لأطر جديدة في التحليل السياسي.
“منذ بداية القرن الواحد والعشرين بدأت تبرز تعابير تهم المغرب والخارج على غرار ركود المد الديمقراطي وتراجعه، وبالرغم من أن الربيع العربي أعاد موضوع احتمال الدمقرطة في العالم العربي إلى الواجهة، إلا أن مساراته كانت منتافية مع ما تحقق عمليا”، يقول المودن.
نقاش الدمقرطة
ويواصل “على مستوى المغرب، وبالرغم من أن موضوع الدمقرطة لا يزال مطروحا للنقاش، إلا أن الخيارات الاستراتيجية التي تتبناها الدولة لا تنبع من المؤسسات المنتخبة، ولا تخضع لنقاشات علنية بقدر ما يتم تقييما على ضوء فعاليتها، وبالتالي أصبحت فعالية الدولة تعوض تبني المساطر الديمقراطية، كما ظهر في النصوص التي عالجت تدبير جائحة كورونا، وكما سيظهر لا محالة في التحاليل التي ستعالج تدبير زلزال الحوز”.
ويرى أستاذ علم السياسة أن “الفعالية في التدبير أصبحت تعوض تدريجيا التوجه نحو الدمقرطة. وما يقوي هذا التوجه هي الأزمة التي تعيشها الأنظمة الدمقراطية التقليدية” والتي ظهرت بوادرها الأولى في “الأزمة المالية سنة2008، ثم تلتها بروز تيارات الشعبوية التي تتبنى أطروحات وشعارات متعارضة مع المبادئ الدمقراطية”.
صعود نجم التيارات الشعبوية مع استفحال أزمة الديمقراطية سيؤدي إلى إزاحة النموذج السياسي من مكانة الصدارة.
بهذا الشأن يقول المودن “لم تلبث هذه التيارات أن تقوت وأصبحت تحتل مواقع مؤثرة في المؤسسات السياسية في قلب الدمقراطيات وتهدد مصير هذا النوع من الأنظمة السياسية الذي ظل يعتبر النموذج السياسي الرائد الذي يزداد ترسخا في الدمقراطيات الغربية، والبديل الوحيد للسلطويات عبر العالم. وبهذا صارت الدمقراطية تفقد بريقها كنموذج رائد عبر العالم”.
مقاربات مستنفدة
وبنظر المودن “لا تسمح المقاربات المعروفة في حقل العلوم السياسية وباقي العلوم الاجتماعية والإنسانية من توقع مصائر الأنظمة السياسية الحالية”.
ويرى أنه “حتى إذا تبنينا مقاربات السيناريوهات، أو العلوم المستقبلية التي فقدت بريقها منذ مدة، فإن تحليل المستقبل المبني على المناهج العلمية، لن تكون له ميزة عملية على توظيف الخيال والإنتاجات الإبداعية في هذا المجال”، مدافعا عن التخييل في السياسة.
السياسة والتخييل
وساهم في كتاب “السياسة والتخييل” 30 باحثا وباحثة بمقالات تتصل مواضيعها بالاهتمامات العلمية والإبداعية لعبد الحي المودن، من بينهم محمد الطوزي وعبد الفتاح كيليطو وأحمد بوز وعبد الأحد السبتي والعربي الجعيدي وإدريس اكسيسكس وسعاد إداودة وسوزان سليموفيتش.
وقال عبد الأحد السبتي، في كلمة باسم منسقي الكتاب، إن “تأليف كتاب جماعي يمثل بصمة نوعية في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية بالمغرب ودلالة على ثقافة الاعتراف والاعتزاز والصداقة بما تعنيه من علاقة تتحدى التصنيف وتتعارض مع هاجس الظرفيات والرهانات”.