عائلات قهرتها الحدود المغلقة تطالب بترحيل أبنائها المحتجزين لدى الجارة الشرقية
في مرة هي الثالثة على التوالي، قدمت عائلات الشباب المغاربة المرشحين للهجرة والمحتجزين في الجزائر إلى الرباط من مدنهم البعيدة، من أجل الاحتجاج أمام وزارة الخارجية “علها تحرك هذا الملف الراكد”، وتمني الأسر التي يوجد أبناؤها قيد الاحتجاز منذ أشهر، النفس بتدخل السلطات المغربية لتسريع ترحيل أبنائها.
وتختلف تفاصيل قصص المحتجيزين هناك، لكنها تتفق عند نقطة التقاء واحدة وهي معرفة المصير الذي ينتظر هؤلاء المحتجزين بعد أن انتهت مدة “اعتقال” غالبيتهم دون أن تقدم السلطات الجزائرية عن الإفراج عنهم.
حكاية كل الحكايات
بحرقة يحكي محمد، أب أحد المحتجزين في غياهب سجون الجارة الجزائر، عن ظروف احتجاز ابنه واصفا إياها بـ”الظروف المزرية” وقال في حديث له مع صحيفة “صوت المغرب” خلال الوقفة الاحتجاجية التي خاضتها أسر وعائلات الشباب المغاربة المرشحين للهجرة والمحتجزين في الجزائر، اليوم الثلاثاء 4 يونيو 2024، أمام وزارة الخارجية المغربية، أن “ابنه قضى مدته السجنية دون أن يأتي الإفراج”.
ولا تختلف وفق محمد الذي أتى إلى العاصمة الرباط حاملا “ثقل ملف يؤرق العائلات منذ مدة ليست بالقصيرة”، قصص الشباب الآخرين المحتجزين عن وضعية ابنه، وأكد أن “هؤلاء ما يزالون رهن الاعتقال في زنازن مخافر الشرطة الضيقة ولم يجر نقلهم إلى المؤسسات السجنية على الأقل”.
ووفق كلام الأب، فإن هناك حالات لشباب قضوا مدتهم السجنية منذ ما يزيد عن ستة أشهر، إلا أن السلطات الجزائرية تأبى الإفراج عنهم، وقال “إن هذه السلطات وعدتنا في أكثر من مرة بترحيل أبنائنا ولكن لا تف بذلك” ولهذا السبب “أتت العائلات تطرق باب الخارجية علها تحل هذا الملف” يضيف الأب”.
وفيما يتعلق بتكاليف الترحيل “الباهظة” أكد محمد أن العائلات مستعدة للتكفل بكافة مصاريف ترحيل أولادها، قائلا “نحن وإن كنا لا نملك تلك المبالغ.. إلا أننا مستعدون لبيع كل ما نملك في سبيل إعادة هؤلاء الأبناء إلى الوطن”.
القادمون من بعيد..
وفي حديثه إلى صحيفة “صوت المغرب” حرص الأب “المكلوم” استحضار معاناة باقي العائلات التي تكبدت عناء التنقل إلى العاصمة الرباط من أجل جلب هذا الملف الذي يرونه “حارقا” إلى دائرة الضوء، وقال مشيرا إلى العائلات المحتجة إن “كل هؤلاء قدموا من مدن بعيدة.. من وجدة والناظور وغيرها من المدن”.
وأكد المتحدث أن هاته الأسر تحتج في كل مرة لكن دون نتيجة، قائلا “ليست هذه المرة الأولة التي نحتج فيها تحت الشمس لساعات ثم نمضي عائدين من حيث أتينا دون أن يتواصل معنا أحد”.
وأضاف الأب أن هذه العائلات التي تحتج اليوم من أجل ترحيل أبنائها إلى أرض الوطن تطالب السلطات المعنية بضرورة التدخل في الملف، وأن تساندهم من أجل تحقيق الترحيل”.
في انتظار زوج لا يأتي
وجه آخر من الانتظار الذي لا ينتهي، حكته لـ”صوت المغرب” سيدة تنتظر زوجها الذي انقضت فترة سجنه منذ شهر يناير الماضي، وقالت “إنه كان من المفترض أن تسلمه السلطات الجزائرية لنظيرتها المغربية منذ ستة أشهر”.
وتابعت المتحدثة ذاتها وهي تغالب الدموع، أنها في “كل مرة تتصل بالقنصلية المغربية هناك يخبرونها أن موعد الترحيل قريب” لكن “هذا الموعد لا يأتي لأن السلطات الجزائرية تماطل دوما في الإجراءات الإدارية” تضيف الزوجة.
وعن قصة اعتقاله، أكدت السيدة أن زوجها لم يصل إلى هناك عن طريق الهجرة غير النظامية “بل كان يشتغل هناك بشكل قانوني، إلا أن مدة صلاحية إقامته انتهت وهو ما عرضه للاحتجاز”.
وتقول السيدة إنها “تعيش بلا زوجها أعباء لم تعد تتحملها” مضيفة أن “حرقة غيابه أثرت بشكل كبير على طفلهما الذي تراجع مستواه الدراسي بشكل واضح جدا منذ اعتقال والده” وقالت “لقد صار ينام ويستيقظ على سؤال موعد عودة أبيه”.
ذلك الجانب الآخر “المغلق”
وبعد ما يقارب الثلاث سنوات على قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، لا زال الشعبان المغربي والجزائري يؤديان الثمن، بملفات اجتماعية عالقة، خلفت جثثا دون دفن ومحتجزين دون محاكمة وعائلات تحمل ملفات أبنائها بحثا عن يد في الجانب الآخر من المعبر المغلق.
وفي آخر مرة فتحت فيها الحدود البرية بين البلدين، الرابطة بين مغنية ووجدة، كانت يوم الأربعاء 22 ماي 2024 بشكل استثنائي، لترحيل وتسليم دفعة جديدة من المهاجرين المغاربة الذين كانوا محتجزين في السجون الجزائرية، و أمضوا عقوبة سجنية بموجب القانون الخاص بدخول الأجانب للتراب الجزائري والإقامة فيه.
وهم هذا الترحيل 15 شابا مغربيا، وهو ترحيل يأتي بعد أزيد من أربعة أشهر من الجمود، وتوقف عمليات تسليم المواطنين بين البلدين، بسبب إشكالات مرتبطة بالتفاهم بينهما.
وبعد أن شملت هذه الدفعة 15 شابا مغربيا تمكنوا من العودة إلى عائلاتهم، ظل 290 شابا مغربيا آخرا لا زال في السجون الجزائية ينتظر الترحيل للمغرب، منهم 115 شابا استكملوا الإجراءات القانونية، ويعيشون على أمل فرصة للاستفادة من تذكرة العودة.
العائلات تطرق الجدران
تعثر عمليات الإعادة، كان قد دفع عائلات الشباب المغاربة المرشحين للهجرة المعتقلين والمحتجزين في السجون الجزائرية، إلى توجيه رسالة مناشدة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، شهر أبريل الماضي، من أجل إطلاق سراحهم وترحيلهم لوطنهم، بإصدار عفو شامل ينهي معاناة العائلات والشباب الذين منهم من تجاوز سنتين من الاحتجاز دون محاكمة.
وقالت العائلات في رسالتها التي كانت قد اطلعت عليها “صوت المغرب” إن عددا من الشباب المغاربة يتواجدون بمختلف مراكز الاحتجاز والسجون ومتابعين بموجب القانون 11/08، منهم من كانوا يشتغلون بعدة حرف ويمتهنون الصباغة والنجارة أو التزيين والتبليط أو الزليج والبناء وفضلوا الاستقرار في الجزائر، وآخرون عبروا الحدود بشكل نظامي أو غير نظامي من أجل الهجرة ووقعوا في براثين مافيا التهجير والنصب والاحتيال بعدما وعدهم بتهجيرهم للديار الأوروبية عبر الشواطئ الجزائرية.
إضافة إلى تبون، راسلت العائلات جهات دولية، منها الصليب الأحمر الدولي، وناشدته للتدخل، كما راسلت مؤسسات وطنية، منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
دفن وجنائز “معلقة“
إلى جانب المحتجزين في السجون، تثير العائلات قضية الجثث المغربية في أيدي السلطات الجزائرية، والتي تعقدت عملية استعادتها منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي السياق ذاته، يقول حقوقيون إنه خلال العامين الأخيرين فقط، استعاد المغاربة 41 جثة لأبنائهم من السلطات الجزائرية، في وقت ما تزال جثث كثيرة أخرى قيد الانتظار.
وكانت آخر جثة تم استيعادها لشاب منحدر من مدينة الجديدة، حاول الهجرة من شمال المغرب نحو إسبانيا، غير أن أمواج المتوسط رمت بجثته في العاصمة الجزائر، وأعادتها السلطات الجزائرية برا بعد أشهر من الانتظار، ليدفن في المغرب.