“طرد وتجميد عضوية” وسط اتهامات بمصالح حزبية.. ماذا يقع داخل نقابة الصحافيين؟
  تشهد النقابة الوطنية للصحافة المغربية ارتباكاً تنظيمياً، بعد صدور أنباء بشأن قرارات تخص عدداً من قيادييها البارزين، على رأسهم يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، والرئيس السابق للنقابة.
وبين نفي من بعض أعضاء المكتب التنفيذي، وتأكيد من آخرين تتعمق حالة الارتباك داخل التنظيم المهني، وسط اتهامات باستغلال النقابة في صراعات حزبية.
في هذا الصدد، أفاد مصدر مطلع من داخل المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، بأن المكتب لم يتخذ أي قرار بتجميد العضوية في حق أي من أعضائه، بمن فيهم يونس مجاهد، رغم ورود اسمه مع آخرين في تقارير إعلامية.
وأوضح المصدر أن المسألة تتعلق فقط بـ”إحالة على لجنة الأخلاقيات”، باعتبارها الجهة الوحيدة المخوّل لها النظر في مثل هذه الملفات واتخاذ قرارات التجميد أو الطرد، مضيفاً أن “عدداً من الأسماء التي تم تداولها إعلاميا لم تُحال أساساً على اللجنة، وبالتالي ليست معنية بأي قرار”.
وذكر المتحدث أن النقابة تجنبت الإشارة إلى الأسماء في بيان المجلس الوطني الفيدرالي، الذي انعقد نهاية الأسبوع المنصرم، تفادياً للوقوع في التشهير، لأن ذلك “لا ينسجم مع قيم النقابة التي تدافع عن حقوق الإنسان”، في حين أن “بعض القيادات بادرت إلى التشهير بنفسها في وسائل الإعلام، دون التحقق من صحة الأخبار المتداولة في حقها”، على حد قوله.
في المقابل، أفاد مصدر آخر من المكتب التنفيذي أن القرار شمل شخصاً واحداً فقط، هو يونس مجاهد، مؤكداً أنه تم فعلاً تجميد عضويته وإحالته على لجنة الأخلاقيات. وهذا التصريح يناقض ما جاء في المصدر الأول، ويعكس وجود تباين واضح في مواقف القيادات داخل الجهاز التنفيذي للنقابة،
“الأخلاقيات” تنفي
من جانبه، نفى رئيس لجنة الأخلاقيات في النقابة، عبد الله البقالي، أثناء الاتصال به، توصله بأي إحالة رسمية بخصوص يونس مجاهد أو أي عضو آخر، وهو ما يطرح تساؤلات “حول مدى قانونية الإجراءات المعلنة أو المروَّجة إعلامياً”، بحسب مصدر ثالث من المكتب التنفيذي شدّد على أنه لم يتم إخبار هذا الأخير بأي قرار في هذا الشأن.
وتنص المادة 31 من النظام الداخلي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية على أنه في حال ارتكاب أحد أعضاء المجلس الوطني مخالفات، تُتخذ في حقه عدد من التدابير التأديبية، بدءاً من التنبيه والإنذار، مروراً بتجميد العضوية مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وصولاً إلى الإقالة.
فيما توضّح المادة 32 من النص القانوني ذاته أن التنبيه والإنذار وتجميد العضوية تظلّ إجراءات من اختصاص أغلبية المكتب التنفيذي للنقابة.
حسابات حزبية
وفي مقابل ذلك، كشف مصدر ثالث من داخل المكتب التنفيذي للنقابة أن ما يجري يتجاوز الإطار التنظيمي البحت، مؤكداً أن جزءاً كبيراً من الأزمة مرتبط بـ”صراع حزبي داخلي”، إضافة إلى “المواقف المزعجة لقياديين وردت أسماؤهم سواء على مستوى النقابة أو في علاقتهم بحزبهم”.
وأوضح المتحدث أن هناك قيادات داخل النقابة تسعى إلى ضمان موقع لها داخل المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، “في الوقت الذي يُعتبر كل من حنان رحاب ويونس مجاهد من أبرز مزعجي إدريس لشكر، داخل المكتب السياسي للحزب”، معتبراً أن اتخاذ أي قرار ضدهما داخل النقابة من شأنه “أن يرفع من حظوة تلك القيادات الأخرى لدى لشكر، لدخول السياسي للجزب، وهو الذي يتباهى بحضور حزبه داخل نقابة الصحافيين”.
واتهم المصدر ذاته إدريس لشكر بـ “الضلوع في الاتجاه نحو تجميد عضوية يونس مجاهد داخل النقابة المهنية”، موضحاً أنه بينما كان الكاتب الأول للاتحاد الاشتاركي في اجتماع عُقد صباح السبت حول قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء، “تم الاتصال به من قيادي في النقابة لإخباره بالقرار المرتقب اتخاذه بحق يونس مجاهد وعدد من القيادات”، في ظل ما وصفه المصدر بـ”إجراءات انتقامية”.
ويرى المصدر أن هناك أطرافاً داخل النقابة “تعمدت ترويج الأكاذيب لتصفية حسابات داخلية”، كما اتهم أنصار إدريس لشكر من الاتحاديين بالوقوف وراء حملة على مواقع التواصل الاجتماعي روّجت لأنباء تجميد العضوية وطرد بعض الأعضاء.
وقد اتصلت صحيفة “صوت المغرب” بإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أجل الرد على هذه الادعاءات، إلا أنه رفض الإدلاء بأي تعليق.
كواليس القرار
من خلال تتبع إفادات المصادر المختلفة، يتضح أن النقابة الوطنية للصحافة تمرّ بمرحلة صراع داخلي حاد، تتداخل فيها الأبعاد المهنية والسياسية. ففي الوقت الذي تنفي فيه أطراف اتخاذ أي قرار رسمي، تؤكد أخرى صدور قرار بالتجميد، بينما تنفي لجنة الأخلاقيات توصلها بالملف أصلاً.
هذا، وتحدث عضو في المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة عن كواليس اتخاذ قرار تجميد العضوية، قائلاً في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” إن القرار جاء إثر نقاش أعقب تلاوة البيان الختامي في نهاية أشغال المجلس، يوم السبت 1 نونبر 2025.
وذكر المصدر ذاته أن رئيس النقابة الوطنية أشار حينها إلى وجود “بعض الممارسات التي صدرت عن بعض أعضاء المجلس الوطني وأعضاء المكتب التنفيذي، تستوجب تفعيل المحاسبة”، وذُكرت في هذا السياق بعض الأسماء، من بينها يونس مجاهد.
واقترح أحد الحاضرين تفويض الرئيس لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حق الأعضاء الذين وردت أسماؤهم في النقاش، بخصوص تفعيل مبدأ المحاسبة. ليتم التصويت لصالح ذلك، وبناءً عليه، “تم تفويض الرئيس باتخاذ القرار”.
وجاء في البيان الختامي للمجلس الوطني الفيدرالي أن النقابة قررت “جملةً من الإجراءات التأديبية والتنظيمية والقانونية التي ستُفعَّل طبقًا للقانونين الأساسي والداخلي، من أجل منح العمل النقابي مزيدًا من الانضباط وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز المبادرات القطاعية والمجالية لخلق زخمٍ نضالي وإشعاعي للنقابة”.
ويعتبر مراقبون أن تفويض رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية باتخاذ قرارات فردية مثل تجميد العضوية أو الطرد دون المرور بالمراحل القانونية المحددة في النظام الداخلي، “إجراء غير قانوني وغير منسجم مع مقتضيات النقابة”.
كما عرفت أشغال المجلس الفيدرالي مقاطعة واسعة، وفق مصادر متطابقة، إذ غابت مجموعة من الأسماء البارزة، من بينها عضوا المكتب التنفيذي عبد الحق العظيمي وعزيز جهابلي.