story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

طاحونة الكرة!

ص ص

في حوار لمدافع ريال مدريد لوكاس فاسكيز مع مجلة Men’s Health، كشف أنه يستعين بخدمات طبيبة نفسية منذ التحاقه بالنادي الملكي، نظرا لأنه لا يتحمل الضغوط اليومية الرهيبة التي تعرفها كرة القدم في مستواها الإحترافي العالي، ويعاني بين الفينة والأخرى من تدهور صحته النفسية، بسبب الشهرة وأضواء وسائل الإعلام.

هو موضوع لازال من طابوهات كرة القدم المعاصرة، ولازال يثار باحتشام وتوجس من طرف نجوم ومشاهير المستديرة في البطولات المعروفة بحدة منافسة أنديتها في المباريات، والتي تدور تحت ضغط إعلامي وجماهيري كبير، بشكل حوّل اللاعبين والمدربين إلى آلات عليها التجرد من ضعفها البشري ومسايرة هذا الجنون الذي لاينتهي.

تقول منظمة الصحة العالمية إن 23 في المائة من لاعبي كرة القدم الحاليين يعانون من اضطراب النوم، وأن تسعة منهم يعانون من الإكتئاب، وسبعة في المائة منهم من أعراض قلق عميق.. هذه الأرقام تبقى غير دقيقة لأن هناك احتمال وجود نسب أكبر، نظرا لأن اللاعبين المحترفين في الأندية الكبيرة يفضلون كتمان معاناتهم النفسية من الضغوطات المسلطة عليهم، حتى لا تتضرر عقودهم مع الأندية ومع شركات الإشهار.

المسار الذي أخذته كرة القدم العالمية منذ بداية هذه الألفية، بدا واضحا فيه أنها متجهة نحو التحول من نشاط رياضي احتفالي فيه الكثير من الهواية والمتعة لمشاهديه، إلى آلة لإنتاج الأموال ومراكمة الأرباح بالنسبة لكل من يستثمر فيها، واكتشف الفاعلون الإقتصاديون أن الكرة هي الدجاجة التي تبيض ذهبا في عالم التسويق والإشهار والنقل التلفزي، وقد تم هذا التحول تحت رعاية الفيفا المستفيدة الأولى ماليا من كل المسابقات الكروية، حتى أصبحت سلطتها حاليا أقوى من سلطة كثير من الدول العظمى.

هذه “الهمزة” المالية التي أصبحت تأتي من كرة القدم، دفعت الفيفا والإتحادات التابعة لها إلى زيادة عدد المسابقات والمباريات لزيادة حصة النقل التلفزي وعائدات الإعلانات، وارتفعت مبالغ انتقالات اللاعبين والمدربين إلى أرقام فلكية، وتضاعفت رواتبهم عشرات المرات مقابل تحويلهم إلى آلات لكسب النقاط في المواجهات بأي شكل، وساهمت حدة المنافسة على الألقاب والجوائز إلى تشكيل ضغط إعلامي وجماهيري كبير على اللاعبين المنهكين بثلاث مباريات أسبوعيا بالإضافة إلى الحصص التدريبية والإجتماعات التقنية وكثرة الأسفار داخل وخارج البلدان التي يستقرون فيها.

وبالإضافة إلى إنهاك اللاعبين بدنيا ونفسيا بكثرة الضغوط، تبرز أيضا ظاهرة إقحام قاصرين موهوبين في كرة القدم داخل عالم أكبر منهم ومن سنهم، بغرض استغلال موهبتهم في تحقيق الفوز والصراع على الألقاب وما وراءها من عائدات مالية، إذ أصبح عاديا أن تجد طفلا كبيرا لم يتجاوز 17 سنة من عمره، وهو يلعب بشكل أساسي في فريق الكبار، ويعيش معهم نفس الوتيرة الجهنمية للمباريات الثلاث في الأسبوع والحصص التدريبية والمعسكرات والندوات الصحفية، حتى أن بعضهم وجد نفسه قد لعب من 60 إلى70 مباراة رسمية في موسم واحد، وهناك حالات لقاصرين “احترقوا” بكثرة المباريات التي لا تلائم بنيتهم الجسدية في هذا السن مثل لاعب نادي برشلونة بيدري الذي يعيش اليوم وضعا صحيا غريبا، إذ بمجرد أن يتعافى من إصابة حتى يعود إلى المصحة لأسباب صحية أخرى.

في الموسم الماضي نفذ صبر الكثير من الوجوه البارزة في عالم التدريب مثل كارلو أنشيلوتي ويورغن كلوب، وخرجوا يشتكون من كثرة المباريات المبرمجة والمسابقات الماراطونية، بعدما توالى سقوط بعض لاعبيهم بإصابات عضلية بسبب حالة الإنهاك البدني، وأيضا نزول مستوى البعض الآخر نتيجة التعب الذهني في التركيز المستمر على البرنامج اليومي للنادي.. شكاوى كانت بمثابة دق ناقوس الخطر ضد هذا الإجهاز المتواصل على إنسانية كرة القدم، التي أصبح يقودها جشع الحيتان الإقتصادية الكبيرة التي لا يهمها صحة اللاعبين ولا مخزونهم البدني ولا مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية ولا البدنية.

كان جواب القائمين على كرة القدم والمستفيذين من عائداتها المالية الضخمة حول هذه الشكاوى.. لاشيء!

لكن يمكنني أن أتخيل الجواب.. من لم يعجبه هذا السباق المجنون نحو الربح من كرة القدم، فليعتزلها بهدوء.