ضيوف “من الرباط”: المغرب ما زال عاجزاً عن تعميم التطهير السائل رغم 20 سنة من البرامج

اعتبر حقوقيون وخبراء أن حادث مصرع خمسة أشخاص داخل حفرة للصرف الصحي بدوار النواصر بجماعة سيدي بوزيد بإقليم شيشاوة قرب مدينة مراكش، زوال الأربعاء 24 شتنبر 2025، يسلط الضوء على “هشاشة” ملف التطهير السائل في المغرب ويكشف عن “استمرار خلل” البنيات التحتية الأساسية، خصوصًا في القرى والمناطق النائية، مما يعكس “فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي حول التنمية والواقع المعيشي للمواطنين”.
وفي السياق، أكد أستاذ الجغرافيا السياسية، مصطفى اليحياوي، خلال مروره ببرنامج “من الرباط” الذي يبث على منصات “صوت المغرب”، أن ملف التطهير السائل “يظل من أضعف حلقات البنيات التحتية في المغرب”، مبرزًا أن النقاش العمومي نادرًا ما يثير هذا الموضوع، على عكس ما حصل مع برامج الماء والكهرباء التي طبعت مرحلة ما بعد التقويم الهيكلي.
وأوضح اليحياوي أنه منذ سنة 2006، حين طُرح لأول مرة خيار تعميم التطهير السائل في العالم القروي كخيار استراتيجي، “لم ينجح المغرب في بلورة النتائج الملموسة المنتظرة، رغم مرور ما يقارب عقدين على انطلاق البرنامج الذي رُصدت له قروض مهمة من البنك الدولي”.
وتساءل الباحث: “هل اشتغل المغرب فعلاً على هذا الورش بالجدية المطلوبة؟ أم أن البرنامج تعثر؟”، مشيرًا إلى أن المغاربة، في زمن ما يسمى بـ“جيل العدالة المجالية”، يملكون اليوم كامل الحق في مساءلة الجدوى الحقيقية من هذه المشاريع.
وأضاف المتحدث أن البرنامج الوطني للتطهير اعتمد في بدايته على حلول بديلة مثل “الفوسيتاتيك الجماعية” (Blocs Fosse Septique Collectif)، وهي حفر للتطهير تقام خارج البنايات، وقد تمت تجاربها في الدار البيضاء بشراكة مع المكتب الوطني للكهرباء والماء، “غير أن ضعف التغطية، المسجّل في إحصاء 2024، يكشف استمرار الاختلالات، خصوصًا في المناطق القروية”.
وأشار اليحياوي إلى أن الظاهرة لا تقتصر على القرى، بل ما تزال قائمة حتى في المدن، حيث تعتمد بعض تجزئات إعادة الإيواء على الحفرة الصحية بدل الربط بشبكات التطهير، مفسّرًا ذلك بارتفاع تكلفة محطات المعالجة، مقابل غياب إلزامية قانونية تُجبر المنعشين العقاريين على إدراج مخططات للتطهير ضمن تصاميم البناء، تمامًا كما يُشترط مخطط الخرسانة.
وختم بالقول إن “المشكل لا يقتصر على الجانب التقني أو المالي فقط، بل يرتبط أساسًا بضعف المراقبة والتتبع”، مذكّرًا أن “البرنامج الوطني للتطهير وضع منذ البداية سيناريو تقنيًا معياريًا يهدف إلى تقليص المخاطر وضمان السلامة الصحية، غير أن التنفيذ ظل دون الطموح”.
من جانبه، شدّد الأستاذ الجامعي والحقوقي خالد البكاري على أن إشكالية التطهير السائل لا تقتصر على المنازل أو الأحياء الهامشية، بل تمتد حتى إلى بنايات ومرافق الدولة نفسها، بما فيها المؤسسات التعليمية.
وأشار البكاري إلى تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008، الذي خلُص إلى أن الدولة صرفت ميزانيات ضخمة لتعميم التعليم في العالم القروي، غير أن نسب الهدر المدرسي بقيت مرتفعة، خاصة في صفوف الفتيات.
ومن بين الأسباب الرئيسية لهذا الانقطاع المبكر عن الدراسة، يضيف البكاري، غياب المراحيض والمرافق الصحية في المدارس، وهو ما جعل عدداً كبيراً من التلميذات يغادرن مقاعد الدراسة في سن العاشرة أو الحادية عشرة.
وأكد المتحدث أن هذا الوضع ما زال مستمراً إلى اليوم، حيث تُقر وزارة التربية الوطنية نفسها بوجود مؤسسات تعليمية لا تتوفر على شبكات للتطهير أو مرافق صحية أساسية، رغم أنها بنايات عمومية يفترض أن تكون نموذجاً في احترام المعايير.
وانتقل البكاري من مجال التعليم إلى الحياة اليومية في القرى، متوقفاً عند مشهد وصفه بـ”المأساوي”: أطفال في منطقة عين الشعير بإقليم فجيج يقفون على قارعة الطريق وهم يحملون قنينات فارغة، في انتظار مرور السيارات للحصول على بضع قطرات من الماء، قبل أن يقطعوا بها مسافات طويلة لإيصالها إلى أسرهم.
واعتبر أن “هذه الصور تعكس بجلاء حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي حول التنمية والواقع المعيشي القاسي الذي يعيشه آلاف المواطنين”.
وأضاف أن “الدولة تتحمل المسؤولية الأولى عن هذا الوضع، لكن جزءاً من النخب أيضاً ينظر إلى هذه المناطق بنوع من الاحتقار أو اللامبالاة”، مبرزا أن الزلزال الأخير كشف حجم هذه الهوة، إذ تبيّن أن مناطق واسعة من المغرب كانت خارج دائرة الاهتمام الحقيقي، ولم تحضر في النقاش العمومي إلا في لحظات الكوارث والمآسي.
وختم البكاري بالقول إن بعض النقاشات التي رافقت إعادة الإيواء والإسكان بعد الزلزال عرّت هذا المنطق، حيث اعتبر بعض الأصوات في الرباط والدار البيضاء أن “هؤلاء السكان يجب نقلهم من هناك”، وكأن وجودهم في مناطقهم الطبيعية لا قيمة له، وهو ما يعكس حسب قوله صورة صادمة عن مغرب يسير بسرعتين.
لمشاهدة الحلقة كاملة المرجو الضغط على الرابط