ضيوف من الرباط: المجلس الوزاري “رد محسوب” على مطالب الشارع و”سؤال الحكامة” يبقى مطروحا
اكتسب المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه الملك محمد السادس، يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، أهمية استثنائية لتزامنه مع سياق احتجاجات شباب “جيل Z”، واقتران ذلك مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية 2026. إذ كشف بلاغ الديوان الملكي عن حزمة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية التي اعتبرها ضيوف برنامج “من الرباط“، بمثابة رد مؤسساتي وتأطير للمشهد السياسي.
وخصص برنامج “من الرباط” الذي تبثه صحيفة “صوت المغرب” حلقته هذا الأسبوع لمناقشة مخرجات المجلس الوزاري حيث استضاف الأستاذ الجامعي للقانون الدستوري أحمد البوز، والفاعلة المدنية هدى سحلي، وأستاذ العلوم السياسية إسماعيل الحمودي، الذين أجمعوا على أن توقيت الاجتماع ومخرجاته لم تكن اعتيادية.
رد مؤسساتي لكنه غير كافٍ
في مداخلته، رأى أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ما حدث يمثل “رداً مؤسساتياً، لا شك في ذلك، ومحسوباً”، مضيفاً أنه “لا يحتاج إلى اجتهاد كبير لتبيان أن اللحظة مُلتقطة وحاضرة في ثنايا الاجتماع، رغم أنه كان من المفترض أن يكون اجتماعاً روتينياً دستورياً (بخصوص مشروع قانون المالية)”.
وأشار البوز إلى التوجه للنقاش بشأن ما إذا كانت مخرجات الاجتماع تشكل “إجابة شافية وكافية وجامعة ومانعة” لحل الإشكاليات المطروحة والاستجابة لمضامين المطالب المرفوعة منذ 27 شتنبر 2025.
وربط أحمد البوز مخرجات المجلس الوزاري باحتجاجات الشباب عبر ثلاثة عناصر، أبرزها: الأولويات الكبرى في مشروع قانون المالية (الزيادة في ميزانيات الصحة والتعليم)، والإصلاحات المتعلقة بالمجال الترابي (برامج التنمية الترابية)، والجانب الثالث المتعلق بالإصلاح المؤسساتي الذي يشمل الانتخابات والقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية.
من جهتها، أشارت هدى سحلي، الفاعلة المدنية، هي الأخرى إلى أنها “لمست استجابة أو تجاوباً إيجابياً مع المطالب التي رفعها جيل ‘زد’ في الحركات الاحتجاجية طوال هذه الفترة”، لكنها وصفته بأنه “جواب جزئي لبعض المطالب”.
وأكدت سحلي أن السؤال الجوهري المطروح الآن هو “سؤال الحكامة”، لأن الدافع لخروج الناس للاحتجاج ليس فقط اتخاذ قرار معين، بل “المنطق الذي تُسَيَّر به وتُنفذ به السياسات العمومية”.
جواب يتعلق بأزمة
أما إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فقد رأى أن تأطير النقاش كان على مستوى الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان، إذ أخذ من مطالب جيل “زد” ما يتشاركه هذا الجيل وتوجهات الدولة القائمة، مستبعداً ما هو “غير مؤسساتي” ومؤطراً النقاش ضمن حدود الدستور.
وأوضح حمودي أن المجلس الوزاري بعد ذلك “رسم توجهات” وحدد الأولويات، ملاحظاً أنه في بلاغه “ذهب أبعد من أن يتحدث بلغة الأرقام والمؤشرات وتخصيص ميزانيات”، مشيراً إلى أن هذا “تفاعل مباشر مع المطالب المطروحة وتفاعل إجرائي”.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن الجواب الملكي لا يتعلق فقط بـ “جيل Z”، بل هو “أبعد من ذلك وأعمق”، كونه يتصدى لأزمة اجتماعية في البلاد “سابقة على احتجاجات ‘جيل Z’ وتعمقت في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ جائحة كورونا إلى اليوم”، والتي باتت تمس “الطبقات المتوسطة” التي يرى أنها هي التي خرجت في هذه الاحتجاجات.
محاولة لاستعادة المبادرة
وعاد البوز ليتوقف عند نقطة “التخليق”، مشيراً إلى أن الخطابات الملكية كانت تسبق الخطابات الانتخابية تقليدياً، لكنه تساءل عن “أي درجة هذا النوع من الخطاب المُسَوَّق حول التخليق يكون له أثر حول مجريات العمل الانتخابي من حيث الشفافية والنزاهة والمصداقية؟”. واعتبر أن الفساد الانتخابي بقي “قضية الحلقة المفرغة”.
وأشار المتحدث إلى أن “الجديد في المرحلة التي نعيشها” هو بروز ملفات الفساد الانتخابي في المحاكم بأعداد غير مسبوقة، ليطرح سؤالاً محورياً: “هل الإشكال إشكالية قوانين أم إشكالية إرادة؟ أم إشكالية منهجية؟ أم إشكالية الـ (Profile) للمنتخب، من هو؟”
وأكد أن صورة البرلمان فقدت معناها بعد أن كانت مرتبطة سابقاً “بالمناضل والحزب والكفاءة والالتزام والانضباط”.
وفي سياق نقد الوضع الحزبي، أشار إلى مفارقة تكمن في أن الحركات الإصلاحية السابقة أعطت الدستور والنقاش السياسي، لكنها في المقابل “أعطت أمناء عامين وقادة للأحزاب متشبثين بالكراسي أكثر من أي وقت مضى”، وظاهرة تغيير القوانين من أجل بقاء الزعماء.
وشدد على أن المجلس الوزاري، رغم أهميته، يمكن قراءته بأنه “محاولة من الدولة لاستعادة المبادرة” من الشارع، في ظل وضع الأحزاب التي وصفها بأنها “مرفوع عنها القلم”.
ضرورة الانتقال للعلاج
في السياق نفسه، أشارت هدى سحلي إلى أن “خطاب تخليق الحياة السياسية وحمايتها من الارتشاء والمفسدين قائم منذ سنوات”، رغم أن الممارسة الانتخابية يسيطر عليها خطاب “هذا هو الذي سيفوز بالمقعد”.
وأكدت أن الانتخابات السابقة شهدت “أعلى منسوب للفساد”، مشيرة إلى متابعات البرلمانيين وحوادث خطيرة خلال الحملات.
غير أنها رأت أن “الجديد الآن هو أن المنتخبين أصبحوا يُتابعون ويُحاكَمون. ولم تعد تلك الحصانة موجودة، وحتى الإعلام أصبح يكشف هذا الأمر”، معتبرة هذا التحول “إيجابياً على مستوى الإرادة”.
ودعت سحلي إلى دعم “الخطاب الأخلاقي” بـ “إجراءات صارمة جداً من أجل الانتقال من الوقاية إلى العلاج”.
وحذرت الناشطة المدنية من أن يتحول إجراء دعم ترشح الشباب المستقلين بنسبة 70% من تمويل الحملات إلى “قرار أو إجراء ليس للتنفيس ولكن للاحتواء”.
كما نبهت إلى أن تشجيع الترشح المستقل وتمويله بشكل كبير في ظل وعي سياسي شبابي صاعد قد يشجع “الانتهازية والانتفاعية”، ويضرب “الوعي السياسي بدلاً من أن يتراكم ويُبنى عليه شيء مؤسساتي ومُؤَسَّس”. واستدلت في هذا الصدد، بظاهرة التفكك التي وقعت مع طرح تأسيس المجلس الاستشاري للشباب إبان حراك 20 فبراير سنة 2011.
وشددت سحلي على ضرورة أن يتحمل المجتمع هو الآخر، مسؤوليته، داعية “الأغلبية الصامتة” التي تخرج للاحتجاج إلى أن يتحول “احتجاجها إلى صوت انتخابي، وأن يكون رقماً في المعادلة مبنياً على موقف ووعي سياسي”.
الداخلية مسؤولة
من جانبه يرى الأستاذ الجامعي إسماعيل حمودي أن الحديث عن التخليق “يكثر لما يرتفع منسوب الفساد”، وهو ما يراه مؤشراً على أن الفساد “تغوَّل كثيراً وأصبح ظاهرة في المجتمع ويصبح حديث الخاص والعام”.
واعتبر أن التشريعات الموجودة “ليست سيئة”، مبيناً أن تفعيل دستور 2011 والقوانين التي تولدت عنه كاف لردع الفساد. وأرجع الإشكال إلى أن “تلك القوانين الموجودة… لا تطبق”.
واستشهد حمودي بما وقع في الولاية الحكومية الحالية، ملاحظاً أن “57 برلمانياً إما في السجن أو متابعون من طرف القضاء”، وهو ما يمثل “قرابة النصف” من إجمالي أعضاء مجلس المستشارين، واصفاً الأمر بأنه “كارثة وفضيحة لمن صنع الخريطة السياسية”.
وحمّل المسؤولية في هذا ليس للأحزاب وحدها، بل “أيضاً السلطات المشرفة على الانتخابات، لأنها أيضا تعطي التزكية إلى جانب الأحزاب، ما يجعلها مسؤولة”.
لمشاهدة الحلقة كاملة، يرجى الضغط على الرابط