صناعة اللاعبين!
مشروع التكوين على مستوى الأندية الذي أعلن عنه رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم خلال جمعها العام
السنوي، هو مشروع يفرض نفسه حاليا و بإلحاح ، لا لشيء سوى لأن تكوين اللاعبين على أسس احترافية عالية
المستوى هو الذي كان من المفروض أن ننطلق منه منذ البداية للوصول إلى تزويد المنتخبات الوطنية بأجود
المواهب وتقديم منتوج كروي محلي في البطولة الوطنية يغري الجمهور بالمتابعة و يستقطب أموال القطاع
الخاص المرصودة للإشهار و التسويق.
المشروع الجديد الذي وعد به فوزي لقجع و إن كان لم يتسرب من تفاصيله سوى أنه سيكون تحت إشراف شركة
خاصة و وفق دفتر تحملات دقيق، و ميزانيات دعمه المالي ستأتي من الشراكات مع المؤسسات العمومية و شبه
العمومية بالإضافة إلى استثمارات القطاع الخاص، و بالعودة إلى التجارب القديمة الفاشلة في التكوين التي أدراتها
جامعة كرة القدم و إدارتها التقنية الوطنية بمعية الأندية ، فإنه يجب من الآن أن نطرح سؤالين جوهريين حول
الأمور التي ساهمت في هدم كل محاولة سابقة لتأسيس سياسة احترافية و حديثة و فعالة في تكوين اللاعبين..
تقنيا ، مشروع أكاديمية حديثة لكرة القدم من المفروض أن يتوفر على عدد كبير من المؤطرين والمدربين ذوي
التكوين العالي في ميكانيزمات التلقين و البيداغوجيا و فهم سيكولوجية الطفل.. نحن في المغرب، هل نتوفر على
العدد الكافي من هؤلاء أم سنكتفي كالعادة بقدماء اللاعبين ذوي المستويات الدراسية المتدنية والذين تشفع لهم فقط
تجربتهم في الميدان وبعض الشواهد التدريبية البسيطة لتولي تأطير الفئات الصغرى؟
ماليا ، أكاديميات الأندية التي وعد بها مشروع فوزي لقجع ، هل ستكون مستقلة ماليا عن ميزانية النادي ككل ، أم
أنه سيستمر إدخال ” الشكلي فالعكلي ” وتحويل أموال تكوين الفئات الصغرى إلى التعاقد مع لاعبي و مدربي
الفريق الأول للنادي سعيا إلى تحقيق النتائج الآنية لنبقى في الأخير كمن “يكب الما فالرملة” .. م ما هي
الضوابط التي ستوضع لحماية الأطفال الموهوبين المطلوبين في الأندية الأوربية الغنية، من جشع السماسرة ووكلاء اللاعبين، وكيف سنحصن هذه الأكاديميات حتى لا تتحول إلى سوق نخاسة للقاصرين ومصدرا لاغتناء
منعدمي الضمير ؟
تكوين لاعبي كرة القدم صار صناعة لدى كثير من البلدان مثلها مثل باقي الصناعات المتطورة ، و تملأ البنوك
أرصدة حساباتها بتحويلات مهمة من العملة الصعبة، وتساهم بعائداتها الضريبية في إنعاش صناديق الدول وأصبحت تشكل رقما في الناتج الإقتصادي الوطني، وتشكل سُلَّما للترقي الإجتماعي بالنسبة لعدد هائل من الفئات
الفقيرة المنتشرة في المناطق المهمشة التي لم يصلها نصيبها من التنمية.
هذه هي الزاوية التي يجب أن ننظر منها إلى مسألة تكوين لاعبي كرة القدم كمشروع وطني استراتيجي يفيد البلاد
والعباد ، حتى لا يتحول في نهاية المطاف إلى رقم ضمن ركام مشاريعنا الفاشلة السابقة.