شبح “حرب عالمية ثالثة” يخيم على الساحة الدولية بعد القرار الأمريكي والرد الروسي
بعد أزيد من سنتين على الغزو الروسي لأوكرانيا الذي انطلق في فبراير 2022، على خلفية أزمة مستمرة منذ سنة 2014 حينما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بعد استفتاء أثار الكثير من الجدل أعقب فرار الرئيس الأوكراني حينها فيكتور يانوكوفيتش من العاصمة كييف، يبدو أن أمد الحرب بين البلدين سيطول أكثر ورقعتها ستتسع لتشمل العديد من الدول الغربية، خاصة تلك التي قد يتضح للطرف الروسي أنها مشاركة بطريقة مباشرة إلى جانب أوكرانيا في هذا الصراع الذي خلف حتى الآن مئات الآلاف من القتلى وخسائر ثقيلة في اقتصاد البلدين.
هذه التطورات تنبئ، حسب عدد من المراقبين، بدنو حرب عالمية ثالثة باتت وشيكة، قد يعرفها العالم، خاصة في ظل المستجدات السياسية والعسكرية التي أعلنها الطرفان الفعليان في هذه الحرب وهما الولايات المتحدة الأمريكية الداعم والمساند الأكبر لأوكرانيا بالعتاد والسلاح، والطامحة لانضمام هذه الأخيرة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وروسيا التي ترفض رفضا قاطعا انضمام أوكرانيا إلى الناتو ما لم يتم ترسيم حدودها بشكل رسمي لكيلا يحدث أي تعارض مع تطبيق المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
تنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف على أن الحلف يلتزم بالدفاع عن إحدى الدول الأعضاء فيه حال تعرضها للاعتداء بشكل جماعي، وأن كل دولة من دول الحلف مسؤولة عن الدفاع عن كامل الأراضي العائدة لجميع الدول الأعضاء.
وفي قراءة للمرحلة الجديدة التي دخلتها الحرب الروسية الأوكرانية، يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة خالد شيات، “هذه الحرب لا يبدو أنها ستكون في إطار محدود من الناحية الجغرافية ولا من ناحية المتدخلين فيها. وبالتالي، فقد اكتسبت العالمية من حيث المتدخلين، ويبقى من حيث المجال الجغرافي مسألة وقت فقط”.
وأضاف الأستاذ الجامعي، “أن هناك كل المقومات التي يمكن أن تؤدي بهذه الحرب إلى مزيد من التوسع، (…) هي حرب عالمية بمجال جغرافي ضيق، بحيث أن روسيا باتت تستعين اليوم بعدد كبير من الجنود الكوريين الشماليين، وهذا كان محددًا أيضًا فيما يمكن أن نسميه بالعالمية”.
وتبرز هذه التطورات المتسارعة أكثر في خطوة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأحد الماضي، حينما أجاز لكييف بإطلاق صواريخ أميركية بعيدة المدى إلى عمق الأراضي الروسية، حسبما صرح به مسؤول أميركي لوكالة الأنباء الفرنسية، وإن كانت الشروط الدقيقة لهذا الإذن لازالت مجهولة، ولم تُعلن عنها واشنطن بشكل رسمي.
ومن جهته، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الثلاثاء الماضي، مرسوما يسمح لموسكو بـ”استخدام أسلحة نووية ضد دولة لا تملك هذا النوع من السلاح إذا كانت مدعومة من قوى نووية”.
وقد أوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في وقت سابق أنه “كان من الضروري تكييف الأسس مع الوضع الحالي، في مواجهة تهديدات صادرة من الغرب ضد أمن روسيا”.
ولفت خالد شيات، في هذا السياق، إلى أن الصواريخ التي أُعطيت لأوكرانيا لضرب مواقع متقدمة داخل روسيا هي صواريخ أمريكية وتقنيات غربية، مما يستدعي تدخل التقنيين الغربيين لاستخدام هذه الصواريخ، “بمعنى أن هناك ما نسميه لوجستيك غربي لضرب أماكن روسية”.
هذا القرار الغربي- الأمريكي دفع إلى رد فعل روسي “بتغيير العقيدة النووية لضرب أي جهة يمكن أن تدخل في خانة الأعداء، حتى خارج أوكرانيا”، يقول المتحدث.
وعلى إثر ذلك، تم تصنيف مجموعة من الدول التي تقوم الآن بدعم أوكرانيا باعتبارها دولًا مستهدفة أيضًا بالصواريخ الروسية، “إذن هي حرب عالمية حقيقية في مجال جغرافي يشمل أوكرانيا وبعض المواقع الروسية حتى الآن، يوضح خالد شيات.
وتساءل أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، حول الطرف الذي يمكن أن يتراجع أولًا، “هل الدول الغربية التي تعتقد أن طريقة الحوار الوحيدة هي الضغط أكثر على روسيا؟ أم روسيا التي تجد في هذه الحرب منفذًا أساسيًا لتكريس واقعها في المنطقة؟”.
هذا الأمر، يقول شيات لا يبدو أنه قابل للتقاسم، “لا بالنسبة للغرب الذي يرى في هزيمة روسيا إمكانية لتراجعها على مجموعة من المستويات، ولا لروسيا التي ترى أن أي انسحاب لها هو خروج من أوكرانيا، وهو هزيمة لا يمكن لها أن تتحملها لا داخليًا ولا إقليميًا”، وهو الأمر الذي يمكن أن تكون له تبعات كثيرة، ربما حتى على وحدة روسيا الجغرافية الداخلية.
وخلص الأستاذ الجامعي خالد شيات إلى أن “الغرب، في المقابل، لا يرى في روسيا أي ثقة يمكن أن توقف الحرب، بحيث أنه يخشى أن تعود روسيا إلى أوكرانيا بعد ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، وربما تتوجه أيضًا إلى دول أخرى في منطقة البلطيق كجورجيا وغيرها للتدخل المباشر”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر، في شهر شتنبر الماضي، من أن أي هجوم تنفذه دولة غير نووية، مثل أوكرانيا، لكن مدعومة من قوة تمتلك أسلحة نووية مثل أمريكا، يمكن أن يعتبر “عدوانا مشتركا”، وقد يستدعي استخدام أسلحة نووية.
وأفادت وسائل إعلام بأن الإذن الأميركي لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى قد يقتصر على استهداف منطقة كورسك الروسية، التي يسيطر الجيش الأوكراني على جزء منها وحيث تم نشر جنود كوريين شماليين لدعم القوات الروسية. وقد سعت كييف منذ أشهر للحصول على إذن إطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا.
وفي شتنبر الماضي؛ حذر الرئيس الروسي من أن هذه الموافقة الغربية ستعني “ضلوع دول حلف شمال الأطلسي مباشرة في الحرب في أوكرانيا”.
وقال بوتين حينها إن بلاده يمكن أن تلجأ إلى الأسلحة النووية في حال حدوث “إطلاق كثيف” لطائرات أو صواريخ أو “درونات” على أراضيها.
ومنذ بداية النزاع بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، والذي تسبب حتى الآن في “وفاة تقريبًا 600 ألف جندي روسي، والأمر كذلك بالنسبة لأوكرانيا التي خسرت حوالي 200 ألف والكثير من الضحايا والمعطوبين وغير ذلك. ألمح بوتين مرات عدة إلى إمكان استخدام أسلحة نووية.
ونشرت روسيا أسلحة نووية تكتيكية في صيف عام 2023 لدى حليفتها بيلاروسيا، التي أعلنت في ماي الماضي إجراء تدريبات مع موسكو لاختبار قاذفات أسلحتها النووية التكتيكية.