رفض واسع لعدم إحالة قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية

أثار نشر قانون المسطرة الجنائية في الجريدة الرسمية دون إحالته على المحكمة الدستورية موجة رفض واسعة وانتقادات حادة من طرف هيئات حقوقية وخبراء قانونيين، وقد اعتبر هؤلاء أن هذه الخطوة تمثل تراجعًا خطيرًا عن مبادئ الدستور وروح العدالة، بما يكرس التمييز والامتيازات في تطبيق القانون.
في هذا السياق، عبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عن استغرابه من تمرير هذا القانون “في الظلام”، دون رقابة دستورية، ونشره في الجريدة الرسمية “خوفا من مقصلة المحكمة الدستورية”، واعتبر أن النتيجة هي فرض نصوص قانونية تشرعن الريع التشريعي والفساد.
وأوضح الغلوسي أن المواد 265 إلى 268 من القانون الجديد خصصت مساطر استثنائية للبحث والتحقيق مع فئات بعينها، بينها مستشارو الملك، أعضاء الحكومة، قضاة محكمة النقض والمجلس الأعلى للحسابات، الولاة والعمال، وعدد من كبار المسؤولين الأمنيين والإداريين.
وأضاف أن هذه المواد تندرج ضمن الباب الثاني المتعلق بقواعد الاختصاص الاستثنائية، والتي تمنح هؤلاء الأشخاص مساطر خاصة للتحقيق معهم في حالة ارتكابهم جنايات أو جنح، على خلاف باقي المواطنين، وهو ما اعتبره “امتيازاً قضائياً غير دستوري”.
وتابع الغلوسي أن المادة الثالثة من القانون زادت الأمر سوءاً، بعد أن أضافت المنتخبين والمسؤولين الذين يوجد المال العام تحت تصرفهم إلى قائمة المستفيدين من هذه الامتيازات، مشيرا إلى أنه وبهذا الشكل، أصبح المنتخبون بدورهم محميين بمسطرة خاصة.
وخلص الغلوسي إلى أن هذا القانون يكرس وضعية غير متكافئة بين المواطنين، إذ يخضع عامة الشعب للإجراءات العادية عبر مراكز الشرطة والدرك، بينما يتمتع المسؤولون والمنتخبون بمساطر استثنائية، واعتبر أن ذلك يمثل “انتهاكاً سافراً للدستور”.
وأشار إلى أن “النتيجة هي تقنين التمييز وإضفاء الشرعية على الريع التشريعي، بما يكرس الفوارق الاجتماعية والوظيفية ويضرب مبدأ المساواة أمام القانون”، ووصف الأمر بأنه “تكريس للفساد عبر نصوص تشريعية”.
من جهته، أوضح المحامي بهيئة الدارالبيضاء محمد النويني، أن الفصل 132 من الدستور يلزم فقط القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للمؤسسات المنتخبة بالإحالة الإلزامية على المحكمة الدستورية قبل تطبيقها، بينما باقي القوانين، ومنها قانون المسطرة الجنائية، فلا يعد الأمر إلزاميا.
غير أن النويني أكد أن الفقرة الرابعة من نفس الفصل تمنح إمكانية قانونية للملك، ورئيس الحكومة، ورئيسي غرفتي البرلمان، وأيضاً لعدد معين من النواب والمستشارين، لإحالة أي قانون على المحكمة الدستورية قبل تنفيذه، مشيرا إلى أنه قد جرى العمل بهذا المقتضى سابقاً في حالة قانون المسطرة المدنية.
وأوضح النويني أنه رغم الأصوات الحقوقية والسياسية التي طالبت باستعمال هذه الآلية بخصوص قانون المسطرة الجنائية، إلا أن المؤسسات المعنية لم تتحرك، معتبرا أن هذا يشكل إخلالاً بالمسؤولية وخطأ سياسياً وتشريعياً خطيراً.
وأضاف أن القانون يفتقد للشرعية السياسية، لأنه تمت المصادقة عليه من قبل أقلية برلمانية، كما أنه أُعد في غياب إشراك حقيقي للهيئات السياسية والمدنية والحقوقية، مما يشكل خرقاً لمبدأ التشاركية المنصوص عليه دستورياً.
وأشار المتحدث إلى أن “هذه المنهجية تتناقض مع مقتضيات الدستور، وخاصة الفصول 10 و14 و139، التي تضمن مشاركة المواطنين والهيئات المدنية في صياغة السياسات العامة والتشريعات”، معتبرا أن “إقصاء هذه المكونات يفرغ العملية التشريعية من روحها الديمقراطية”.
وإضافة إلى البعد الدستوري، لفت النويني الانتباه إلى خطورة بعض مواد القانون، وخاصة المادة الثالثة والسابعة، التي “تكبل النيابة العامة في مواجهة قضايا الفساد المالي ونهب المال العام، وتفرض قيوداً على الجمعيات التي تتصدى لهذه الملفات”.
وختم النويني بأن “هذه المقتضيات تمثل مساساً خطيراً بمبادئ السياسة الجنائية، لأن جوهر التشريع الجنائي يفترض أن يكون حماية المجتمع من الجريمة وملاحقة المجرمين، بينما القانون الجديد، بصيغته الحالية، يكرس التمييز، ويمنح حصانة غير مبررة للمسؤولين والمنتخبين”.