story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

ذكرى تحرير الكركرات.. 5 سنوات من مسار ترسيخ السيادة المغربية على الصحراء

ص ص

في مثل هذا اليوم من عام 2020، شهدت الصحراء المغربية تحرير معبر الكركرات الحدودي من طرف القوات المسلحة الملكية، التي تمكنت من طرد مليشيات جبهة “البوليساريو” الانفصالية من منطقة تعد حلقة رئيسية في حركة التجارة بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء.

ففي يوم الجمعة 12 نونبر 2020، أعلن المغرب إطلاق عملية عسكرية في منطقة الكركرات على الحدود مع موريتانيا، بهدف إعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة، وردع استفزازات عناصر الجبهة المسلحة التي أقدمت على إغلاقها لأكثر من ثلاثة أسابيع.

تحرير الكركرات

أوضحت وزارة الشؤون الخارجية آنذاك أن هذه العملية جاءت بعد أن أقدمت “البوليساريو” على إغلاق الطريق الذي تمر منه، خصوصًا شاحنات نقل البضائع نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، منذ 21 أكتوبر 2020، وهو ما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية وتجارية.

وقبل أسبوع من هذا التاريخ، وجّه نحو مئتي سائق شاحنة نداء استغاثة إلى كل من الرباط ونواكشوط، قالوا فيه إنهم عالقون في معبر الكركرات الواقع بين موريتانيا والصحراء المغربية.

وأشار السائقون إلى أنهم عالقون في الجانب الموريتاني بعدما منعتهم ميليشيات تابعة للانفصاليين من عبور منطقة الكركرات أثناء عودتهم عبر الحدود البرية مع موريتانيا.

على إثر ذلك، جاءت عملية القوات المسلحة الملكية لإعادة فتح المعبر بشكل سلمي، حيث نشر الجيش المغربي تعزيزات أمنية في المنطقة، وفرض سيطرته على المعبر، ما أسهم في استقرار هذا الممر الحيوي الذي يربط المغرب بموريتانيا وعموم منطقة غرب إفريقيا، وتأمين حركة التجارة والأفراد.

ومن أبرز انعكاسات هذا الحدث على معركة المغرب في قضية الصحراء، تأكيد السيادة المغربية من خلال إعادة فتح المعبر بطريقة سلمية، إذ عبّرت الرباط عن عزمها الحفاظ على سيادتها ورفضها أي محاولات لزعزعة الاستقرار في أراضيها، مؤكدة استعدادها لحماية مصالحها الوطنية بالوسائل الدبلوماسية والعسكرية عند الحاجة.

ما بعد التحرير

في اليوم الموالي للعملية، أعلن زعيم الجبهة الانفصالية، إبراهيم غالي، إنهاء الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقَّع عام 1991 مع المغرب.

وقال غالي في بيان يوم السبت 14 نونبر 2020، إن هذا القرار يأتي ردًّا على عملية الكركرات، داعيًا إلى “اتخاذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب”، وفتح الباب أمام استئناف القتال.

من جانبه، أغلق المغرب شريطًا طويلاً من المنطقة العازلة بجدار رملي أنشأته وحدة الهندسة التابعة للقوات المسلحة الملكية بين المعبر المغربي ومعبر النقطة 55 الموريتاني، بهدف “منع أي دخول غير مشروع إلى المنطقة مستقبلاً”.

وأكد رئيس الحكومة المغربية آنذاك، سعد الدين العثماني، أن الهدف من هذا الجدار، الذي يمتد الآن حتى الحدود الموريتانية، هو “التأمين النهائي لحركة مرور المدنيين والتجارة على طريق الكركرات الرابط بين المغرب وموريتانيا”.

الاعتراف الأمريكي

وبعد أقل من شهر، بدأت قضية الصحراء تعرف تطورات متسارعة على مستوى الاعتراف بالسيادة المغربية على كامل التراب الوطني، كان أبرزها إعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، في خطوة عززت موقف الرباط على الساحة الدبلوماسية.

ففي 10 دجنبر 2020، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها سيادة المغرب على الصحراء من خلال قرار شكّل نقطة تحول في مسار القضية، إذ شجع عددًا من الدول على فتح قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة.

وجاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في سياق سلسلة من التحركات الدبلوماسية لواشنطن آنذاك، لرعاية تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية ضمن ما سُمِّي “اتفاقات أبراهام”، والتي شملت أيضًا اتفاق إعادة العلاقات بين الرباط وتل أبيب في اليوم نفسه.

مواقف أوروبية جديدة

وفي 18 مارس 2022، أعلنت إسبانيا رسميًا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، معتبرة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع.

وكان القرار الإسباني، خطوة دبلوماسية مهمة بعد عقود من التزام الجارة الشمالية الموقف المحايد، وشكلت دعمًا أساسيًا للموقف المغربي وساهمت في تعزيز العلاقات بين الرباط ومدريد، التي تُعد فاعلاً تاريخيًا في ملف الصحراء.

وفي السنة نفسها، أعلن الملك محمد السادس، يوم 20 غشت، في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات”، داعيًا شركاء المملكة من الدول “التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء” إلى توضيح مواقفها ومراجعتها “بشكل لا يقبل التأويل”.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصحراء المغربية من أهم الملفات المحددة لمستوى العلاقات بين المغرب وعدد من الدول الأوروبية والغربية والإفريقية.

وفي دجنبر 2023، صرحت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أن “المغرب يمكنه التعويل على دعم فرنسا” في هذا الملف. وبعد ذلك، أعلنت باريس رسميًا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء في 31 يوليوز 2024، في موقف جديد عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى الملك محمد السادس، قال فيها إن “المستقبل والحاضر للصحراء الغربية يقعان ضمن إطار السيادة المغربية”.

واعتبر الرئيس الفرنسي أن المبادرة المغربية هي الحل الوحيد والنهائي للنزاع، الذي يُعد من أطول النزاعات في إفريقيا، والمتواصل منذ انسحاب إسبانيا في سبعينيات القرن الماضي.

وفي أكتوبر 2024، كانت قضية الصحراء جزءًا مهمًا من جدول المباحثات الثنائية خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب بين 28 و30 أكتوبر. حيث أعلن ماكرون حينها أن شركات وفاعلين اقتصاديين فرنسيين “سيرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها”.

وفي فاتح يونيو 2025، انضمت بريطانيا إلى قائمة الدول المعترفة بمغربية الصحراء، بتأييدها مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل أكثر مصداقية وواقعية للنزاع، في موقف جديد ينسجم مع توجهات القوى الدولية الكبرى.

وجاء هذا التحول بعدما كانت المملكة المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، تكتفي سابقًا بدعم الجهود الأممية لإيجاد “حل سياسي يضمن للشعب الصحراوي حق تقرير المصير”.

فتح القنصليات

وقد تخللت هذه الاعترافات سلسلة من المواقف الداعمة من عشرات الدول في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي منذ نونبر 2020، ما يعكس تحولات عميقة في المواقف الدولية لصالح الطرح المغربي بعد عملية الكركرات.

وفتحت نحو ثلاثين دولة قنصليات في الأقاليم الجنوبية، تجسيدًا لدعمها الصريح للوحدة الترابية للمملكة. ومن بين هذه الدول: الإمارات العربية المتحدة التي افتتحت قنصلية في العيون في نونبر 2020، والأردن في مارس 2021، والبحرين في دجنبر 2020، إلى جانب دول إفريقية مثل الغابون وغينيا وكوت ديفوار وجزر القمر وزامبيا وإسواتيني، ودول أخرى من أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

كما قررت دول أخرى توسيع نطاق اختصاصها القنصلي ليشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة.

قرار مفصلي

وبعد نحو خمس سنوات من تحرير معبر الكركرات، اعتمد مجلس الأمن الدولي، في 31 أكتوبر 2025، قراراً تاريخياً يدعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007 باعتباره الإطار المقبول والواقعي لمعالجة النزاع القائم منذ خمسة عقود، داعيًا الأطراف المعنية إلى الدخول في مفاوضات على هذا الأساس.

وصوّت لصالح القرار 11 عضواً من أصل 15، في حين امتنعت روسيا، والصين، وباكستان عن التصويت، بينما لم تشارك الجزائر في عملية التصويت.

وأظهر التصويت أن القرار حظي بدعم قوي داخل مجلس الأمن، خصوصاً من القوى الغربية الكبرى والدول الإفريقية واللاتينية، مما يعكس اتجاهاً دولياً متزايداً نحو الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي للنزاع.

كما أن غياب أي استخدام للفيتو واعتماد القرار بأغلبية مريحة (11 من 15) منح النص قوة سياسية ومعنوية كبيرة، وكرّس دعم مجلس الأمن للمسار الأممي القائم على مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الإطار الأنسب لتسوية هذا النزاع الذي استمر نصف قرن.