ديوماي فاي.. هل تطال يد مراجاعاته العلاقات الخارجية للسنغال مع المغرب؟
في ظل توالي الانقلابات والتغييرات غير الدستورية في دول الغرب الإفريقي، راقب المغرب عن كثب الانتخابات الرئاسية في السنغال، وهو بلد يعد أحد أبرز حلفاء المغرب، ليس في المنطقة لوحدها بل في القارة كلها، بعلاقات سياسية واجتماعية وروحية، ضاربة في جذور التاريخ.
وبدا المغرب وكأنه قد وضع كل بيضه في سلة واحدة، بدعم ضمني لمرشح الرئيس ماكي سال للانتخابات الرئاسية، وزيره الأول أمادو با، والذي خسر الانتخابات من الجولة الأولى أمام مرشح المعارضة بصيرو ديوماي فاي، حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية للمغرب في نفس يوم الإعلان عن قائمة المرشحين للانتخابات السنغالية، تصريحات للوزير الأول با وقدمته على أنه المرشح للرئاسيات، يشيد فيها بالعلاقة مع المغرب.
السنغال التي يرى فيها المغرب امتدادا إفريقيا له، تدخل مع صباح اليوم مرحلة سياسية جديدة برئيس شاب جديد قادم من سجون المعارضة، يحظى بدعم سياسي وينفذ خطابه لقلوب المواطنين الذين مكنوه من أصوات جنبته خوض دور ثاني من الانتخابات، رافعا شعار الإصلاح الداخلي، ومراجعة العلاقات الخارجية كذلك، وسط تساؤل عن مصير العلاقات السنغالية مع المغرب في عهد الرئيس الشاب.
شعارات حملات انتخابية
توعد الرئيس الفائز في الانتخابات السنغالية بسيرو ديوماي فاي بمراجعات نوعية للعلاقات الخارجية لبلاده، وخصوصا تلك المتعلقة بالاتفاقيات التي تربطها بالعالم، وهي مراجعات لمح فاي إلى انها ستبدأ بجوار السنغال، من موريتانيا.
غير أن عبد الواحد أولاد مولود، الخبير في السياسات الإفريقية، استبعد أن تشمل مراجعات الرئيس الجديد لعلاقات بلاده مع المغرب، وقال في حديثه لـ”صوت المغرب”، إن ما جاء على لسان الرئيس السنغالي الجديد خلال الحملة الانتخابية، يبقى خطابا مرتبطا بظرفية سياسية انتخابية.
ويضيف أولاد مولود أن المرحلة الرئاسية وتدبير الشأن العام من موقع المسؤولية، سيفرض على ديوماي فاي التريث نوعا ما في اتخاذ قراراته المتعلقة بالسياسة الخارجية على وجه الخصوص، أما العلاقات مع المغرب، فيرى الخبير أن خصوصيتها التاريخية تجعلها فوق الخطاب الانتخابي.
ويقول أولاد مولود، إن السنغال كانت ولا زالت أبرز مساند إفريقي للمغرب، داخل الاتحاد الإفريقي، وفي منطقة الغرب الإفريقي، كما أن دعمها له في قضية وحدته الترابية كبير وقديم، وبالتالي فإن الرئيس الجديد “لا يمكن أن يغامر برصيد غني من العلاقات بين البلدين”.
لا يمكن توقع تغير سلبي
واستمرارا في ترجيح استبعاد وجود أي توجه نحو تغير سلبي في علاقات السنغال خلال عهد الرئيس الجديد، يقول أولاد مولود إن المغرب خلال الانتخابات السنغالية، لم يتخذ أي موقف واضح بالانحياز لمرشح دون الآخر، وهو املوقف الذي يتخذه المغرب دائما في التحولات الدستورية في كل الدول والدول الإفريقية الصديقة على الخصوص، بل حت ىالتغيرات غير الدستورية، بدأ المغرب يأخذ منها مسافة.
ويستند أولاد مولود في تحليله إلى موقف المغرب من التغيرات في دول جوار السنغال، مثل مالي والنيجر، ويقول في هذا الصدد إن المغرب استطاع الحفاظ على مصالحه وعلاقاته مع هذه البلدان على الرغم مما عاشته من أحداث سياسية قوية، وانقلابات حملت حكام جدد للقصور الرئايسة.
وفي الوقت الذي توعد الرئيس السنغالي الجديد بمراجعة علاقاته مع دول الجوار، بداية من موريتانيا، يرى أولاد مولود أن وضع موريتانيا لا يمكن القياس عليه.
وأوضح الخبير أن سعي الرئيس الجديد لمراجعة اتفاقيات السنغال مع موريتانيا، يعود لكون البلدين يشتركان في حدود جغرافية وبحرية وثروات طبيعية، أما المغرب، فعلاقته مع السنغال، بالإضافة للجانب الاقتصادي فيها فإنها تتميز بجوانب سياسية واجتماعية أخرى، مضيفا أنه “حتى في حالة ما إذا خرج الرئيس الجديد عن المألوف، فالمغرب له حساباته ولن يسمح بهذه الأمور ويمكن للمغرب هو الآخر أن يراجع مصالحه وعلاقاته مع السنغال”.
الأثر لن يبقى في السنغال
وفي تحليل أشمل لما يقع في السنغال، يشير أولاد مولود انطلاقا من تصريحات الرئيس السنغالي الجديد بصيرو ديوماي فاي، إلا أن هناك تغير في الفاعلين الرئيسيين في منطقة الغرب الإفريقي.
وتظهر المعطيات تغيرا في الفاعلين الأجنبيين في المنطقة، حيث انتقلوا من أمريكا ثم فرنسا، إلى روسيا والصين حاليا، وهو ما يترسخ مع صعود ديوماي فاي، والذي تبنى خلال حملته الانتخابية خطابات شباب السنغاليين المتذمرين من المد الفرنسي في المنطقة، وترجم هذا الخطاب إلى إجراء قال إنه ينوي القيام به، بمراجعة الاتفاقية الدفاعية التي تجمع بلاده مع فرنسا.
هذه التغيرات المتتالية في المنطقة، والتي كان آخرها في السنغال مع الانتخابات الأخيرة، والتي حملت رئيسا من المعارضة بخطاب يعاكس ما حكم به الرئيس السابق ماكي سال البلاد لسنوات عديدة، تغير سياسي يقول أولاد مولود إن أثره سيمتد في المنطقة، وسيظهر في مناطق أخرى ومحطات سياسية أخرى، مرجحا أن يرخي بظلاله على الانتخابات الرئاسية التي تسعى موريتانيا لتنظيمها بعد أشهر قليلة.
وما يجعل النموذج السنغالي على الخصوص، ملهما للمنطقة، ونموذجا سيترك أثره في أبنائها، أن هذا الاستحقاق الديمقراطي أسقط مقولة أن التغييرات في إفريقيا لا تحدث إلا بأيدي خارجية، ليبرز نموذج القارة التي تركز على أبنائها وشعوبها لكي تنتقل من إفريقيا الفقر والإرهاب والهجرة التي رسم عليها العالم صورة الهشاشة والتهميش إلى إفريقيا ذات موارد معدنية بشرية تفرض بها نفسها على مستوى العالم.