story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

دعا للقدس من أرض المغرب.. رحيل أول بابا نشأ خارج أوروبا منذ القرن الثامن

ص ص

“يسرني أن تطأ قدماي أرض هذا البلد، الغني بالجمال الطبيعي، الحارس لبصمات حضارات عريقة والشاهد على تاريخ مدهش”. بهذه الكلمات افتتح بابا الفاتكان فرنسيس خطابه أمام الشعب المغربي، خلال زيارته للرباط التي سجد على أرضها في مارس 2019.

رحل البابا فرنسيس، يوم الإثنين 21 أبريل 2025، عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد مسيرة دينية قضا أبرزها رئيساً للكنيسة الكاثوليكية، وحاكماً لدولة الفاتيكان، منذ 13مارس 2013، حتى وفاته رمزاً للإنسانية، وصوتاً للسلام والعدالة الاجتماعية، في نظر تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، التي لا تعتبره مجرد شخصية دينية.

كانت للبابا فرنسيس مواقف بارز من القضايا التي تعيشها المنطقة العربية، في فلسطين وسوريا والعراق، وكان من المدافعين عن حقوق اللاجئين والمهاجرين، مطالباً بتقديم المساعدة الإنسانية لهم. كذلك لم يتردد في الدعوة إلى تعزيز التفاهم والتسامح بين مختلف الأديان والطوائف.

وبخصوص القضية الفلسطينية، كان البابا فرنسيس قد قال، في عام 2014، خلال زيارته لفلسطين: “أدعو الله أن يمنح السلام للذين يعانون في هذه الأرض، وأن ينقذ الأبرياء من القتل والدمار”. كما عبر عن إدانته للعدوان الإسرائيلي في غزة عام 2021، قائلاً: “لقد رأيت الكثير من المعاناة والألم. يجب أن نتوقف عن هذا العنف. قتل المدنيين الأبرياء لا يمكن أن يكون مبرراً”. أما خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2023، شدد البابا فرنسيس على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً.

أسلوب بعيد عن الرسمية

وُلد باسم خورخي ماريو برغوليو في بوينس آيرس بالأرجنتين، وألهمه مرضٌ خطير شُفي منه في عام 1958 للانضمام إلى اليسوعيين. ورُسّم كاهناً كاثوليكياً في عام 1969؛ ومن 1973 إلى 1979، كان الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين. وفي عام 1988 أصبح رئيس أساقفة بوينس آيرس، قبل أن يتم تعيينه كاردينالاً في عام 2001 من قبل البابا يوحنا بولس الثاني.

وبعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر في فبراير 2013، تم انتخاب برغوليو خلفاً له في مجمع الكرادلة في 13 مارس. وحينها اختار اسم “فرنسيس” تكريماً للقديس فرنسيس الأسيزي. عُرف بحضوره العالمي كحبر أعظم، واهتمامه بالفقراء، والتزامه بالحوار بين الأديان. اتخذ أسلوباً أقل رسمية في البابوية مقارنةً بأسلافه، حيث قرر الإقامة في بيت ضيافة “دوموس سانكتاي مارثاي” بدلاً من الشقق البابوية في القصر الرسولي.

وكان أول بابا من الأمريكتين ونصف الكرة الجنوبي، وأول من وُلد أو نشأ خارج أوروبا منذ البابا غريغوري الثالث السوري في القرن الثامن.

وفي الوقت الذي أدخل فيه فرنسيس النساء كأعضاء كاملين في دوائر الفاتيكان، لم يتردد في إعلان تعاطف الكنيسة الكاثوليكية تجاه المثليين، ما أثار استياء واسعاً في أوساط المحافظين في أوروبا والأمريكيتيين وبين المسلمين والمسيحيين حول العالم، خاصة بعد دعوته إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية.

وفي عام 2022، اعتذر البابا فرنسيس عن دور الكنيسة في “الإبادة الثقافية” للشعوب الأصلية في كندا، داعياً إلى “مجمع السينودس حول السينودسية”، والذي وُصف بأنه تتويج لحبريته وأهم حدث في الكنيسة الكاثوليكية منذ المجمع الفاتيكاني الثاني.

البابا في المغرب

وفي 30 و31 مارس 2019، قام البابا فرنسيس بزيارة رسمية إلى المملكة المغربية، وهي الزيارة الثانية له إلى شمال إفريقيا بعد زيارته إلى مصر في عام 2017. كانت هذه الزيارة ذات طابع خاص، إذ تجسّد رغبة البابا في تعزيز الحوار بين الأديان والتأكيد على أهمية التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة.

ركزت الزيارة على تعزيز الحوار بين الإسلام والمسيحية، حيث دعا البابا فرنسيس إلى بناء جسور من التعاون والتفاهم بين المؤمنين من مختلف الأديان. في خطابه أمام الملك محمد السادس، أكد البابا على ضرورة أن يعمل الجميع معاً من أجل نشر السلام، مشيراً إلى أن “الديانات يجب أن تكون مصدراً للسلام لا سبباً للصراع”. كما حث على تكريس جهود مشتركة لحماية حقوق الإنسان والكرامة البشرية.

والتقى البابا فرنسيس بالملك محمد السادس في القصر الملكي في الرباط، إذ تمحور اللقاء حول القضايا الإنسانية، وسبل تعزيز التفاهم بين المسلمين والمسيحيين في العالم. إذ أعرب البابا خلال اللقاء عن تقديره للمغرب كمثال على التسامح والتعايش بين الأديان، مشيراً إلى أن المملكة تمثل نموذجاً يحتذى به في العالم العربي. كما تم التباحث حول تعزيز التعاون بين الكنيسة الكاثوليكية والمغرب في مجالات التعليم والرعاية الصحية، خاصة في مناطق الصراع.

وخلال مراسم الاستقبال الرسمي بالقصر الملكي في الرباط، وقّع الملك محمد السادس والبابا فرنسيس نداءً مشتركاً بشأن القدس الشريف، شددا فيه على ضرورة الحفاظ على طابع المدينة كرمز للتعدد الديني والثقافي، وضمان احترام قدسيتها كمكان يجسد قيم السلام والحوار والتعايش المشترك.

وجاء في النداء “إننا نأمل أن تُكفَل داخل المدينة المقدّسة حرّية الولوج إلى الأماكن المقدّسة، لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقّهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها، بما يجعل القدس الشريف تصدح بدعاء جميع المؤمنين إلى الله تعالى، خالق كلّ شيء، من أجل مستقبل يعمّ فيه السلام والأخوة كل أرجاء المعمور”.

“القصف الإسرائيلي قسوة”

وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، أدان البابا فرنسيس الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، واصفًا القصف الإسرائيلي بـ”القسوة، هذا ليس حرباً”. كما أدان مقتل امرأتين مسيحيتين فلسطينيتين على يد قناص إسرائيلي في غزة واصفاً ذلك بـ”الإرهاب”.

خلال الحرب، دعا البابا مراراً إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، وتنفيذ حل الدولتين. وكان على تواصل يومي مع الرعية المسيحية الوحيدة في غزة منذ بدء الحرب. وفي نونبر 2024، دعا إلى تحقيق دولي للنظر فيما إذا كانت حملة إسرائيل في غزة تشكل إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.

توفي فرنسيس عن عمر يناهز 88 عاماً في وقت مبكر من صباح يوم الإثنين 21 أبريل 2025، والذي صادف يوم إثنين الفصح. في الأسابيع التي سبقت وفاته، كان يُعالج من مرض رئوي مزمن، بما في ذلك أزمة تنفسية والتهاب رئوي. وكان آخر ظهور علني له في اليوم السابق لوفاته، في أحد الفصح.

وكان البابا فرنسيس، قد عاد يوم الأحد 23 مارس 2025، إلى الفاتيكان بعد أسابيع من الاستشفاء قضاها في مستشفى “جيميلي” بروما، حيث خضع للعلاج من التهاب رئوي مزدوج.