دراسة ترصد اختلالات تدبير الهجرة غير النظامية بالمغرب
ما تزال حكامة الهجرة في المغرب تشهد عدة إكراهات قانونية وتدبيرية تحد من الارتقاء بها، رغم ما حققته المملكة من مكتسبات في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، من خلال تأهيل إطارها القانوني والمؤسساتي لاستيعاب التغيرات التي عرفتها دينامية الهجرة بالعالم.
من هذا المنطلق، سلطت دراسة جديدة صادرة عن المعهد المغربي لتحليل السياسات الضوء على مجموعة من الاختلالات التي يعاني منها مجال تدبير الهجرة غير النظامية بالمغرب، مستعرضا عدد من الحلول من أجل مراجعتها وتجويدها.
من الناحية التشريعية، أشار التقرير إلى المصطلحات غير الصحيحة التي تجرم المهاجرين غير النظاميين في الترسانة القانونية المنظمة للهجرة بالمغرب، داعيا إلى تطهير هذه الأخيرة من جميع العبارات التي تشير لدلالة إجرامية وتنفي المهاجرين كبشر.
كما أوصى التقرير بضرورة إدخال نصوص تتعلق بتبسيط إجراءات الحصول على الوثائق الضرورية كتجديد ومنح شواهد الإقامة وتسجيل المواليد الجدد من أجل الاستفادة من الخدمات العمومية للأجانب بما في ذلك المهاجرين غير النظاميين.
بالإضافة إلى العمل على إدخال المزيد من الدقة إلى بعض النقط الغامضة في النصوص القانونية التي تفتح المجال للتعسف وسوء استخدام السلطة، مبرزا في هذا الصدد المادة 4 من قانون 02-03 بخصوص مفهوم تهديد الأمن العام الذي شددت الدراسة على ضرورة تحديد تعريف دقيق له.
ونصت المادة 4 من القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المملكة على أنه “يمكن رفض دخول أي أجنبي إلى التراب المغربي إذا كان وجوده به قد يشكل تهديدا للنظام العام” وهو مفهوم تكرر في مواد أخرى.
ذات التقرير دعا المشرع المغربي إلى تنزيل وتفعيل بعض مقتضيات التي تحظر التمييز في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين، لاسيما الحق في السكن اللائق والحصول على التعليم والتكوين، والحق في الرعاية والعناية الصحية، المقتصرة حاليا فقط على المواطنين والمواطنات المغاربة.
وعلى المستوى المؤسساتي، أوصى التقرير بتحديث مجموعة من الآليات التي أنشأت لتدبير الهجرة غير النظامية أهمها اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وذلك لتتماشى مع توجهات السياسة الجديدة التي يحاول المغرب نهجها في ظل التحولات الحالية.
كما سجل التقرير الانقطاعات التي عرفها مكتب عديمي الجنسية بوزارة الخارجية أو اللجنة المشتركة التي خصصت لتدبير وتسوية أوضاع الأجانب ذات الوضعية غير النظامية، بجانب ضعف التنسيق بين المتدخلين، وعدم التناسق في توزيع الصلاحيات بين الأجهزة المركزية والسلطات الترابية، مؤكدا أنها معضلات أثرت سلبا على الوضع الحقوقي للمهاجرين، وعلى الاستقرار التنظيمي.
أما بخصوص الجانب السياساتي فانتقد التقرير توقف مسار تنزيل الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء سنة 2017 رغم الفرص الاستثنائية التي خولتها آنذاك، سواء في تسوية الوضعية غير القانونية للمهاجرين الأفارقة، أو من خلال برامج الإدماج في التعليم والتكوين أو السكن
وتابع أن هذا التوقف خلق جدلا في أن هذه الاستراتيجية كانت فعالة بما يكفي، أم أنها انتهت مع انتهاء الظرفية الاستثنائية، خاصة بعد تصاعد أعداد المهاجرين غير النظاميين وغير المدرجين ضمن الإحصائيات الرسمية في الفترة التي تلت توقف الاستراتيجية، وذلك بسبب عدم فتح السلطات المغربية لتسويات جديدة تتيح الوصول للمتطلبات والاحتياجات الحقوقية الأساسية، ليقارب أكثر من 50 ألف شخص.
وشدد المصدر على ضرورة إعادة النظر في مراجعة جذرية لهذه السياسة وتحيينها، سواء من حيث مقاربتها التي لم تشمل جل المهاجرين غير النظاميين عند تنزيلها بحسب ما كان متوقعا، أو عبر خلق فرص جديدة وفق ما سطرته أهداف هذه السياسة، كتحديث الإطار القانوني والمؤسساتي والاستفادة من جل البرامج القطاعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأخيرا على المستوى التدبيري دعا المصدر ذاته إلى اعتماد مؤشرات وآليات كإطار حوكمة الهجرة التي أنجزته منظمة الهجرة الدولية (MIGOF) للتقييم وتتبع كافة الاستراتيجيات المنجزة، وذلك بهدف تحيين السياسات الأمنية المجرمة للهجرة غير النظامية بما هو إنساني.
وأضاف في ذات السياق أن المهاجرين يتعرضون للاستغلال من طرف تجار البشر، “لذلك ينبغي أن يشمل التجريم تجار البشر لا المهاجرين أنفسهم”، مؤكدا أنه “إذا كان العكس فهي تعتبر مخالفات إدارية لا أعمال إجرامية حيث أنها أكثر الظواهر التصاقا بالإنسان مند وجوده”.
كما أوصى التقرير بإحداث مرصد للهجرة تابع لوزارة الخارجية يتولى تحيين المعطيات المتعلقة بعدد المهاجرين غير النظاميين بالمغرب، التي أصبحت متجاوزة وتعيق وجود تقارير رسمية وطنية دقيقة، مشيرا أيضا إلى استحضار المقاربة الجنسانية في بعض السياسات المعنية بالهجرة، وضعفها في مواجهة كافة أنواع التمييز ضد المرأة المهاجرة.