خبيرة: البحث الوطني حول العائلة سيمكن من فهم التغيرات الاجتماعية للمغاربة

أثار البحث الوطني حول العائلة الذي أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن إطلاقه، لتجميع معطيات حول العائلة بالوسطين الحضري والقروي بكافة جهات المملكة، العديد من التساؤلات حول أهميته، خاصة أنه جاء بعد أشهر قليلة من إجراء الإحصاء العام للسكان والسكنى.
غير أن الخبراء يؤكدون على أهميته، نظرًا لكونه “سيوفر معطيات أكثر تفصيلًا حول بنية العائلة المغربية وأدوار أفرادها”، بما يشمل التغيرات في هيكل الأسرة، وأثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية على نمط الحياة الأسرية.
وفي هذا السياق، قالت سميرة مزبار، الباحثة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، إن البحث الوطني حول الأسرة الذي أطلقته المندوبية السامية للتخطيط يكتسي أهمية بالغة، خصوصًا أنه يأتي بعد مرور ثلاثين سنة على البحث الأخير المنجز سنة 1995، موضحة أن المغرب عرف خلال هذه العقود تحولات عميقة على مستوى الأسرة والعلاقات الاجتماعية، “ما يجعل من الضروري اليوم التوفر على معطيات دقيقة وراهنية”.
وأضافت مزبار، التي اشتغلت في إطار عملها سابقًا بالمندوبية السامية للتخطيط على برنامج استشراف المغرب 2030، أن الإحصاء العام للسكان والسكنى لوحده لا يكفي لفهم التغيرات العميقة التي طرأت على الأسرة المغربية، إذ يكتفي بتقديم أرقام عامة، “في حين أن هذا البحث الجديد يتيح الغوص في بنية العلاقات داخل الأسرة، وأنماط العيش، والقيم المتغيرة بين الأجيال، وهو ما يعد ضروريا لصياغة سياسات عمومية فعالة ومبنية على الواقع”.
من جانب آخر، قالت مزبار، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، “إن نتائج البحث ستمكننا، انطلاقًا من المعطيات التي سنحصل عليها، من التمييز بين التوجهات طويلة الأمد التي تتغير ببطء، وبين مؤشرات التحول الجديدة التي بدأت في الظهور داخل المجتمع المغربي”، مؤكدة أن هذا الفهم ضروري لإجراء إسقاطات مستقبلية دقيقة تساعد في صياغة سياسات اجتماعية تواكب التغيرات.
وأضافت أنه من المقلق أن نجهل، ونحن على مشارف سنة 2030، الكثير عن الممارسات الاجتماعية والأسرية للأجيال التي وُلدت بعد 1980، مثل جيل الألفية، والجيل “زاد” (Z)، وجيل “ألفا” (α)، حيث أوضحت أن هؤلاء يشكلون اليوم فئة عمرية تترواح بين 45 سنة، “والتفكير فيهم بمنطق الأجيال السابقة قد يؤدي إلى سياسات غير واقعية وفاقدة للفعالية”.
وتابعت المتحدثة قائلة إن “التحولات مثل تمديد سنوات الدراسة، وانتشار وسائل الاتصال، وربط الأفراد الدائم بالأنترنت، وسهولة السفر، وبروز الهويات الفردية، كلها عوامل قلبت المفاهيم التقليدية للحياة الأسرية والاجتماعية”، مؤكدة أن “عدم تقديرنا الكافي لتأثير هذه العوامل يجعل من أي تخطيط مستقبلي أمرًا محفوفًا بالمخاطر”.
وأكدت، في هذا الجانب، أن التحضير لكأس العالم 2030 دون مراعاة هذه التغيرات الاجتماعية لا معنى له، متوقعة أن نتائج هذا البحث ستُفاجئ الجميع، لكن هذه المفاجأة ستكون مفيدة، “لأنها ستجبرنا على إعادة النظر في الخطاب السائد حول المجتمع المغربي، وقد تُسهم في كسر الطابع التقني والبيروقراطي الذي يطبع الكثير من السياسات العمومية الحالية”.
وفي هذا السياق، نبهت الخبيرة إلى أن غياب هذه المعطيات خلال العقود الماضية جعل السياسات العمومية أحيانًا تستند إلى تصورات نمطية لا تعكس الواقع الفعلي للأسر المغربية، موضحة أن من بين أهداف هذا البحث مراجعة تلك الصور النمطية، “إذ لا يمكن وضع سياسات عمومية تستجيب لواقع المغاربة دون معرفة ما يحدث داخل بيوتهم من يعيش مع من؟ ما نوع التضامن الموجود؟ ما شكل السلطة داخل الأسرة؟ وما موقع المرأة والطفل والمسن؟”.
وفي هذا الإطار، طرحت الخبيرة أسئلة مختلفة من شأن نتائج البحث أن تجيب عنها، مثل: هل لا يزال التضامن العائلي قائمًا كما كان؟ هل الجالية المغربية ما زالت تدعم أسرها بنفس الطريقة؟ ما هي مكانة النساء داخل الأسرة؟ وكيف يُعامل كبار السن والأطفال داخل الفضاء الأسري؟
وأشارت في ختام حديثها إلى أن معالجة قضايا الفقر والتهميش والتعليم والصحة تتطلب فهمًا دقيقًا لديناميات الأسرة، مبرزة أن الدولة الاجتماعية التي يتحدث عنها الجميع اليوم لا يمكن بناؤها من دون إيلاء الأسرة ما تستحقه من اهتمام في صياغة البرامج والسياسات.