خارج التاريخ
برز إلى السطح في الأيام الأخيرة نقاش في المغرب حول كيف يجب على المغاربة أن يتفاعلوا مع اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني والهجوم الإيراني على إسرائيل بعدها بأيام قليلة.
قسم من المغاربة اعتبر هذا انتصارا ضد العدو الإسرائيلي الذي يقتل أهل غزة الأبرياء وهللوا له وباركوا فيه، بينما رأى قسم آخر أنه لا يجب أن نفرح لما يقوم به هؤلاء الفرقاء وذلك لما يعتبرونه عداء ضد المغرب ومصالحه. لكن اللافت هو عدم قدرة الفريقين على تقبل وجهة نظر الطرف الآخر واحترام حريته في التعبير عن وجهة النظر هذه.
أولا وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن المغرب قد قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران واتهمها إلى جانب عميلها في لبنان حزب الله بدعم عناصر البوليساريو الانفصاليين بالسلاح والتدريب. ومادام أن المغرب والمغاربة يعتبرون قضية الصحراء هي العدسة التي ينظرون بها تجاه العالم، فإلى حين إثبات عكس ما أعلنته الدولة المغربية فإن إيران وحزب الله خصمان استراتيجيان للمغرب ومهددان لإحدى مقدساته: وحدته الوطنية الترابية.
ثانيا، لا يمكن إنكار أن دماء عدد كبير من السوريين الأبرياء في أيادي إيران وحزب الله اللذين قدما دعما لا مشروط لجرائم النظام السوري بقيادة بشار الأسد. هذا الدعم ساهم في انقلاب عدد كبير من الداعمين لهما في الشرق الأوسط وتبخر الشعارات التي كانا يرفعانها بدعم المقاومة والوقوف إلى جانب المقهورين.
لكن ما يجب تذكره بالحديث عن إيران هو أنها دولة عقلانية جدا في تعاملها مع محيطها والعالم. إيران تقوم بكل شيء في وسعها من أجل خدمة مصالحها الوطنية الاستراتيجية في ظل حصار وعقوبات قاسمة للظهر من طرف الغرب وعلى رأسهم أمريكا. كما أنها توظف كل الأدوات التي في جعبتها من أجل الدفاع عن مصالحها، ومن ضمن هذه الأدوات التي تستعمل إيران في المنطقة هو القرب المذهبي.
في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط وظفت إيران المذهب الشيعي من أجل التوغل ولعب دور في بلورة حاضر ومستقبل المنطقة في صراعها حول قيادة النظام الإقليمي. فبدءا بدعم حركة أمل ونشأة حزب الله في لبنان، مرورا بتقديم الدعم المادي واللوجيستي لجماعات مختلفة في العراق إبان الغزو الأمريكي وتحكمها في العراق بعد ذلك، إلى خلق علاقة ودعم جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، كلها نماذج لتوظيف إيران للمذهب الشيعي من أجل التغلغل والتأثير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لكن، هل هذا يعني أن إيران تعتبر المذهب الشيعي العدسة التي تنظر بها تجاه العالم؟ طبعا لا. والدليل هو وقوفها ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية ودعمها لخصمها أرمينيا الدولة المسيحية الأرثودوكسية مخافة دعم أذربيجان للأقلية الآذرية الإيرانية. أي أن إيران تفكر في مصالحها الاستراتيجية قبل كل شيء ولا تكترث لمصير الشيعة في دول أخرى إلا إذا كان ذلك يصب في مصلحتها. هذا يعني أن المغرب قادر على خلق علاقة مع إيران مبنية على احترام سيادة كلا الدولتين وتطوير العمل المشترك من أجل ضمان مصالحهما الاستراتيجية.
لكن ما أثار دهشتي واستغرابي في تفاعل المغاربة مع الأحداث الأخيرة هو جزء يعتبر أن ما تقوم به إسرائيل وإيران ما هو إلا مسرحية يمثلون فيها وأنهما حليفان تحت الطاولة. وهذا الرأي يدفع إلى السؤال: مادامت إيران حليفة إسرائيل، وإسرائيل حليفة المغرب، فلماذا يعادي المغرب إيران؟ أوليس حريا بإسرائيل أن تقوم بالوساطة بين البلدين؟ أو أليس المغرب مشارطا في المسرحية إذن مادام يعادي حليفا لحليفه؟ الأكثر أهمية هو أنه حتى وإن كانت هذه مسرحية، فإننا فعليا لا دور لنا فيها ولو ككومبارس ونكتفي بدور المتفرج الخارج من التاريخ.