حماة المال العام يحتجون أمام البرلمان ضد التضييق على المبلغين عن الفساد

في وقفة احتجاجية جديدة ضد ما وصفه المشاركون بـ”محاولات شرعنة الإفلات من العقاب”، نظّمت الجمعية المغربية لحماية المال العام، السبت 14 يونيو 2025، وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، تحت شعار: “لا للتضييق على المبلّغين عن جرائم المال العام، لا للمساس باستقلالية النيابة العامة”، وذلك رفضًا لتمرير المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، اللتين اعتبرتا “خطيرتين على مسار العدالة ومكافحة الفساد”.
وشهدت الوقفة حضورًا متنوعًا لعدد من الهيئات السياسية والحقوقية، فضلا عن بعض الفئات المدنية التي عبّرت عن تضامنها مع مطالب الوقفة، من بينها ضحايا زلزال الحوز الذين “لم يتوصلوا بعد” بالدعم الموعود، وسكان من مدينة سيدي إفني ممن يعانون “من تسلّط جهات نافذة”، إلى جانب “متضررين” من مشروع سوق الصالحين بسلا.
وردّد المحتجون شعارات قوية تعبّر عن الغضب من “تفشي الفساد والإفلات من المحاسبة”، من قبيل:”الشعب يريد إسقاط الفساد”، “بلادي دارو بيك الشفارة”، “وعيقتو يا الفراقشية”، في إشارة تعكس الاستياء من “استمرار نهب المال العام وضعف الإرادة السياسية في مواجهته”.
وفي هذا السياق، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن هذه الوقفة أتت رفضًا لتوجه تشريعي “شاذ”، تسعى الحكومة إلى تمريره عبر المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبراً أن هذا التوجه “يشكل انحرافًا خطيرًا في استعمال السلطة، ويتعارض مع التزامات المغرب الدولية والدستورية في مجال مكافحة الفساد”.
واعتبر الغلوسي أن المسار التشريعي الحالي “يتنافى بشكل صارخ مع مقتضيات الدستور المغربي”، خاصة تلك المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة ومبدأ سواسية المواطنين أمام القانون، “كما يتعارض مع روح ومضمون القانون رقم 10-37 المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد”، فضلاً عن كونه “يضرب في العمق” تطلعات المجتمع المغربي نحو تخليق الحياة العامة وتعزيز الشفافية والحكامة.
وأشار إلى أن “كل المؤشرات الحالية تبعث على القلق، وتؤكد أن الفساد ما يزال يتغلغل في مفاصل الحياة العامة”، مما يفرض، حسب قوله، تعبئة كل الطاقات والضمائر الحية في البلاد لمواجهة هذا الوضع المتدهور.
وفي هذا الإطار، جدد المتحدث، مطالبه المتمثلة في، ضرورة إحالة جميع التقارير الرسمية ذات الصلة بالفساد على القضاء دون استثناء، ومحاكمة المتورطين ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.، وتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بشكل صريح وواضح في القانون، ووضع استراتيجية وطنية شاملة وفعالة لمكافحة الفساد.
ومن جانبه، اعتبر عضو فيدرالية اليسار الديمقراطي، محمد راقي، أن الوقفة ، تأتي كـ”تعبير نضالي واحتجاجي ضد قوانين مجحفة صادق عليها البرلمان مؤخرًا، تمس بشكل مباشر دور المجتمع المدني وتتناقض مع أسس المشروع المجتمعي الديمقراطي”.
وأوضح راقي أن القوانين المعنية، وعلى رأسها المادتان 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، “تُقصي البعد الاقتراحي للمجتمع المدني، وتُهيّأ الأرضية القانونية لحماية فئة محدودة من أصحاب المصالح الاقتصادية والمالية المتنفذة، عبر منحها نوعًا من الحصانة السياسية لممارسة النهب غير المشروع للمال العام”.
وأكد المتحدث أن أدوار المجتمع المدني ليست رمزية أو هامشية، بل تشمل الفعل السياسي، والتعبير الاحتجاجي، والمساهمة في بلورة السياسات العمومية، محذرًا من أن “التضييق على هذا الدور قد يؤدي إلى محاكمات زجرية لأي فاعل مدني أو مواطن يبلّغ عن قضايا الفساد”.
واعتبر راقي أن ما يجري “يتعارض بشكل صارخ مع المبادئ الكونية في مجال حقوق الإنسان”، وعلى رأسها حرية التعبير والتبليغ والمشاركة المجتمعية في تخليق الحياة العامة، داعيًا إلى “تحصين هذا الدور الدستوري وعدم تركه رهينة لدى أغلبية سياسية مزيّفة لا تعبّر عن الإرادة الشعبية الحقيقية”، على حد تعبيره.
وفي سياق متصل، انتقد بشدة تمثيلية الأغلبية البرلمانية التي “تمرّر مثل هذه القوانين الحساسة”، مشيرًا إلى أنها “تتكوّن من ثلاثة أحزاب فقط من أصل 33 حزبًا سياسيًا، “ولا تمثل لا الطبقة العاملة، ولا الفئات الاجتماعية المهمشة، ولا النسيج الجمعوي”.
وخلص الفاعل السياسي إلى الدعوة لتدخل عاجل من المحكمة الدستورية لوقف ما وصفه بـ”المسار التشريعي المنحرف”، مشددًا على أن العدالة الاجتماعية والرقابة المجتمعية الحقيقية لا تُمنح من قبة البرلمان فقط، بل تضمنها نضالات المجتمع المدني، التي يُفترض أن يكرّسها الدستور “لا أن تُقبر بقوانين مفصلة على مقاس أقلية نافذة”.