حكومة أخنوش، وكالة أسفار

وكيل السّفر هو شخص يرسل أناسا لوجهات لم يسبق له أن قصدها يوما. وكذلك يفعل السّيّد رئيس الحكومة الموقّر ووزراءه. إنّهم يقومون بإرسالنا نحن “المزاليط”، إلى مرافق لم يسبق لهم أن زاروها ولو في أحلامهم. ندفع من خلال الضّرائب كلّ سنتيم في وعائها العقاري، وبنائها، ومعدّاتها، ومكاتبها، ورواتب موظّفيها، وحرّاسها إلخ. لكنّنا لا نحصل على ربع الخدمة الّتي نحتاجها. ومع ذلك خرج السّيّد رئيس الحكومة “أضحك اللّه سنّه” الّتي تشبه جيوبنا، ليذكّرنا بأنّنا نحن المغاربة “ماقدّتنا فرحة”!
ولأنّنا “فرحانين” من المهد إلى اللّحد في هذا البلد، فإنّنا معشر “المزاليط” نريد مشاركة هذا الفرح بكلّ إيثار وشهامة مع السّيّد رئيس الحكومة ووزرائه الموقّرين. وما عليهم إلّا أن يتّبعوا الخطوات التّاليّة ليفرحوا مثلنا وزيّادة.
ليخرجوا في جنح اللّيل، ويستقلّوا المواصلات العموميّة، من أجل الالتحاق بمقرّات عملهم. وليدعوا اللّه كثيرا بعد صلاة الفجر، أو ترانيم اللّيل الخضراء، بأن لا يصادفوا سائق طاكسي يقول لهم “لا ماشي طريقي”. وإن حدث وترافق الوزراء الثّلاثة، فعليهم ألّا يقفوا في نفس النّقطة، لأنّ ذلك لا يروق لأصحاب سيّارات الأجرة بتاتا. وليحذروا من استعمال التّطبيقات، فهي حرام بحكم القانون، وحلال باسم الإشهار.
ليسجّلوا أبناءهم في المدارس العموميّة الرّائدة، وليتأكّدوا تماما أنّ ورثتهم سيدرسون الأبجدّيّة والكلمات والجمل في كلّ سنة دراسيّة، عملا بنصيحة “التكرار يعلّم الحمار”. وسيستفيدون جدّا من نظام مدارس “المصّاصة”، لأنّ أبناءهم لن يسايروا أحاديث طاولة العشاء باللّغة الفرنسيّة أو الانجليزيّة أو الاسبانيّة. وبالتّالي لا داعي للأحاديث المشفّرة بينهم وبين زوجاتهم، فاللّغات وضمنها اللّغة العربيّة ستكون طلسما فعّالا لحفظ أسرارهم وأرصدتهم. عذرا يمكن حذف اللّغة العربيّة من القائمة، فعلى الرّغم من أنّها رسميّة بحكم الدّستور، فهي طلسم بالنّسبة لمعظمكم.
حسنات التّعليم العمومي لا تنتهي. وعلى رأسها التّمارين الرّيّاضيّة المجّانيّة. فالسّادة الوزراء سيخرجون مسرعين من مكاتبهم المكيّفة، ويقصدون أبواب المدارس والشّمس “مطنطنة”، ممّا سيساعدهم على “البرونزاج” وتجنّب السّمنة. ولأنّ الدّراسة لن تُستأنف إلّا بعد ساعتين، فإنّ ذلك سيقوّي أواصر القرابة بينهم وبين أبنائهم بكلّ تأكيد. غير أنّ كلّ ذلك قد ينطوي على مخاطرة كبيرة، فقد يجد بعض الوزراء لا سمح اللّه أنفسهم مضطريّن للانضمام لتنسيقيّات “كوزينتك” أو “مدرستك”…
إذا شعروا بأيّ وعكة صحّيّة، فليقصدوا المستعجلات العموميّة فورا. فهناك سيجدون عندنا كلّ ما لا يجدونهم عندهم في تلك المصحّات الخاصّة الّتي يقصدونها. ولأنّ أوّل الغيث قطرة، فسيقابلون ChatGpt شخصيّا. وعليهم ألّا يقلقوا بتاتا إن وجدوا القطط، أكثر من المرضى. فدور القطط في الأروقة مهمّ لتجزيّة الوقت، إلى حين استقاظ الطّبيب المداوم في جنح اللّيل. وليبادروا بالاعتذار عن مرضهم اللّيلي وإزعاجه بينما النّاس نيّام. كما ننصحهم بالإفصاح عن هويّتهم مباشرة ل “سيكيريتي”، ف “الخير سيكيريتي، والشّر سيكيريتي” في هذه الأماكن.
ونحن نشارك أفراحنا مع السّيد رئيس الحكومة وأعضاء حكومته الموقّرة، ننصحهم بعدم الفرح الزّائد. فقد يوسوس لهم الشّيطان لعنه اللّه، فيخوضوا مغامرة الكتابة أو تصوير تلك الأماكن الّتي سيزورونها. حينها سيجدون أنفسهم في ديمومة من نوع آخر، ونحرم نحن “المزاليط” من خدماتهم في اليوم الموالي. فمن شروط فرح “المزاليط” هو السّتر تجنّبا للحسد. افرحوا معنا رجاء لكن دون ضوضاء أو شوشرة. راحتكم مهمّة لنا معاليكم.
لينم رئيس الحكومة ووزراءه وكلّ المسؤولين في هذا الوطن قريري العين، فنحن المغاربة تعوّدنا أن نروّض الألم بالضّحك الهستيري، نكاية في كلّ جرح، ثمّ ندعو اللّه “اللّه يخرج هاد الضّحك على خير”. بصوت عادل إمام أقول لك معالي الوزير “احنا فرحانين أوي وحياة ربّنا يا بيه”.
لو كان لي قلما سحريّا فسأكتب: ” يمنع منعا باتا على الوزراء والمنتخبين وعائلاتهم ولوج المصحّات أو المدارس أو المواصلات الخاصّة طيلة مدّة انتدابهم”. حينها فقط قد نجد أنفسنا أمام ساسة متّصلين بهموم الشّعب، لا وكلاء أسفار يرسلون البلاد بأكملها إلى المجهول.