حقائق كشفتها الصدف.. البصري: وسّعوا الحفرة ورميو الجثث!
وحدها الصدف وأخطاء في التقدير ظلت تكشف بين الفينة والأخرى عن الحفر التي دفنت فيها الجثث التي خلّفها قمع السلطات لأحداث يونيو 1981، دون أن تأخذ مساطر التحقيق طريقها نحو التأكد من هويات الضحايا وترتيب المسؤوليات.
وإذا كان شطط السلطة التنفيذية وتجاوزها في استعمال القوة متوقعا، فإن سلطة أخرى أبدت كامل عجزها وتبعيتها هي القضاء. هذا الأخير وفّر الغطاء الكافي بانخراطه في تنفيذ رغبات الدولة و خدمة استراتيجيتها دون أدنى مقاومة أو إعمال لمبادئ المحاكمة العادلة أو فتح للتحقيقات الضرورية لتحديد المسؤوليات.
وحدها الحقيقة ظلّت غائبة طيلة هذه العقود، باستثناء ما كشفت عنه هيئة الإنصاف والمصالحة في بدايات حكم الملك محمد السادس، من معطيات وفّرتها “صدفة” اكتشاف مقبرة، أواخر العام 2005، بمقر الوقاية المدنية بالدار البيضاء، تبيّن أنها تحوّلت إلى حفرة لدفن جثامين الضحايا بشكل سري.
كشفت عملية نبش هذه المقبرة تحت إشراف هيئة الراحل إدريس بنزكري النقاب عن مشهد غاية في الفظاعة والمأساوية، حين شرع وفد الهيئة ومعه النيابة العامة في استخراج الجثامين التي سقط أصحابها ضحايا لأحداث 1981 الدامية، والتي بلغ مجموعها حوالي 114 جثة.
يحكي كتاب “هكذا كان” الذي أصدره كل من الراحل شوقي بنيوب وعباس بودرقة، كيف بدأت عملية استخراج الجثامين من حفرة بدت في شكل مستطيل، “وكان كل هيكل يشتمل على عظام الأطراف والجمجمة”.
تفيد وضعية الهياكل العظمية أن الجثث كانت مكفّنة ومرتبة، وبالمقابل، لوحظ أن باقي الهياكل لم تكن على نفس الوضع، بل متشابكة البعض فوق الآخر، ولم تكن مكفّنة بل مازالت تحتفظ ببعض بقايا القمصان الصيفية، مع صنادل (نعال) رمادية وبيضاء بلاستيكية ومن أحجام مختلفة، وكان ذلك في نهاية الشكل الطويل لمكان الدفن.
صاحبا الكتاب اللذان حضرا تلك العملية يرويان كيف أنه و”عند اكتشاف هذه المعالم الجديدة التي اتخذتها الهياكل، حصل تبادل الرأي بين الحاضرين، وبصفة خاصة بين مهنيي الطب الشرعي والوقاية المدنية والشرطة العلمية. وقد استقرت الاستنتاجات على فرضية حصول نوعين من الدفن: جثث مكفنة ومضوعة في الحفرة بطريقة مرتبة، وأخرى بلباسها العادي مرمية بطريقة عشوائية”.
فرضية سرعان ما سيؤكد شاهد عيان حضر عملية الدفن، تقدم نحو الراحل شوقي بنيوب، وأشار إليه بالحديث على انفراد. وبعد أخذ مسافة من الحاضرين وبدون إشارة انتباههم، صرح له بأنه حضر عملية الدفن يوم وصول الجثامين في الأيام الأولى الموالية للأحداث في شهر يونيو 1981.
بصفته موظفا في بداية مساره المهني آنذاك، كان ضمن فريق متنوع يستقبل الشاحنة التي كانت تقلها، وفعلا في مرحلة أولى تلقوها وهي مكفنة، وفي مرحلة ثانية وصلت في شاحنة على حالة مخالفة للأولى.
تذكّر الشاهد الذي تحدث إلى بنيوب جيدا أن ذلك تم في منتصف الليل: “وصلت طائرة هيلكوبتر، نزل منها وزير الداخلية إدريس البصري، وبعد معاينته للوضع صرح قائلا: “وسّعوا الحفرة ورميوا الجثث”. وألح على الإسراع بتسوية الأرض.
رواية يقول الكتاب إن ما يؤكدها، هو المعطيات التي توصلت إليها الهيئة لاحقا، والتي تقول إن كلا من البصري والجنرال أحمد الدليمي قدما تقريرا إلى الملك الراحل الحسن الثاني، “ينفي إطلاقا استعمال الرصاص بصفة عشوائية، وأن الادعاءات التي تتعلق بعدد القتلى غير حقيقية”.
رواية طلب الملك الراحل من المدير العام للأمن الوطني آنذاك بإجراء تحريات دقيقة بشأنها، “وبعد إنجاز هذا الأخير لمهمته وعرض نتائجه في تقرير مفصل بالمعطيات والصور تؤكد سقوط العديد من الضحايا من مختلف الأعمار وخصوصا الأطفال؛ تلقاه ملك البلاد وهو في حالة هلع شديد، ونادى وزير الداخلية باستعجال، موبخا إياه بشكل عنيف على التستر على الأفعال الحاصلة”. تستر برره البصري والدليمي بالحرص على سلامة صحة الملك، وخوفهما من تأثرها بتلك الأنباء.