story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حزب العمال الكردستاني وحركة البوليساريو: العقلانية والتبعية؟

ص ص

نصفُ قرن مضى على النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية الغربية (=منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب). فمنذ أن استرجع المغرب هذه المنطقة من قيضة الاحتلال الإسباني سنة 1975، نشطت تحركات وظهرت دعوات تطالب بالاستقلال، وفي هذا السياق برزت يومئذ جبهة البوليساريو (= الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، التي أشرف على توليدها وتنشئتها كل من العقيدين: معمر القذافي وهواري بومدين، قبل أن يتخلى عنها القذافي لاحقا، ويبقى الدور الجزائري نشطا مستمرا حتى الآن..

يعتقد كثير من الناس أن هذا النزاع قائم بين المغرب من جهة، وجبهة البوليساريو من جهة ثانية، وأن الجزائر مجرد مؤيد ومساند للبوليساريو ومشروعها..

والحقيقة هي العكس: فالمشكلة قائمة بين الجزائر والمغرب، والبوليساريو أداة مساعدة بيد الجزائر. والمشكلة في الأصل صممت (جزائريا وليبياً) لمحاصرة النظام المغربي والإطاحة به، تمشيا مع موجة الانقلابات والحركات “الثورية”، التي كانت نشطة في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

وقد بدأت جماعة البوليساريو نشاطها بشعار (تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، وهو شعار ليس بالضرورة انفصاليا، ولا يحمل أي معنى انفصالي.. فالمغرب نفسه كان يتحرك لأجل (تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، واستعادتهما إلى سيادة الدولة الأم..

لكن شعار البوليساريو (= تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) ما لبث أن تطور ليعلَن من خلاله عن وجود (الشعب الصحراويَِ!) الذي يناضل من أجل الاستفلال وإقامة دولته المستقلة.. !

وبسرعة أيضا: تم في مطلع سنة 1976 الإعلان – ومن الجزائر – عن قيام دولة سموها (الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية).. وللعم – أو للتذكير – فسكان هذه المنطقة المعنية، وحسب الإحصاء الإسباني الذي أجري سنة 1974 ويعترف به الجميع، كانوا يومئذ:73497 نسمة. وما زالت تلك (الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية) اسما بلا مسمى..

وعلى مدى خمسين عاما مضت، تسبب هذا المشروع الانفصالي في خسائر مادية وبشرية وسياسية واقتصادية فادحة، أصابت مجمل دول المنطقة وشعوبها، وخاصة منها المغرب والجزائر. ويبقى العنوان الأكبر في قائمة هذه الخسائر هو: تعطيل ذلك المشروع الكبير والطموح، وهو: (اتحاد المغرب العربي)، الذي أسسه وأطلقه رؤساء الدول الخمس (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا)..

هذا الموضوع فكرت فيه منذ سمعت وقرأت مؤخرا أن (حزب العمال الكردستاني) التركي، قرر حل تنظيمه المسلح، والتخلي عن الكفاح المسلح، وعن محاولة الانفصال عن تركيا، ورأينا المقاتلين الأكراد وهم يحرقون أسلحتهم أو يسلمونها للسلطات التركية.. وذلك بعد حوالي نصف قرن من الكفاح المسلح للانفصال وإقامة دولة كردية..

وبناء عليه تساءلت، وأتساءل إلى الآن: هل ستستفيد جبهة البوليساريو من هذا الدرس البليغ والصريح، الذي تصدح به التجربة الكردية ونتائجها ومآلها؟

هذا مع أن الأكراد لهم عدة مقومات كانت تعزز لديهم فكرة الانفصال وتغري بها، وتساعد على احتمال نجاحها، منها:

  • أن الأكراد أصحاب قومية مختلفة ولغة مختلفة عن قومية الأتراك ولغتهم..
  • وهم يختلفون مذهبيا عن الأتراك؛ فالأكراد شافعية، والأتراك حنفية،
  • والأكراد يعدُّون بالملايين، وهم ذوو بأس شديد في القتال، رجالهم ونساؤهم،
  • وحزب العمال له امتدادات وفروع كردية داعمة ومتعاونة: في العراق وسوريا وإيران، وغيرها من دول المنطقة.

ومع ذلك انتهى إلى الفشل التام في مشروعه الانفصالي.. وكما قاتل لأجله بشجاعة، قرر التخلي عنه بشجاعة أيضا..

بينما البوليساريو تتحدث عن “شعب” لا وجود له، ولا معنى له. فكل المعنيين به إنما هم مغاربة بحق وحقيقة: تاريخيا وجغرافيا ولغويا ودينيا ومذهبيا. فمشروعية الانفصال هنا منعدمة، وحظوظ نجاحه منعدمة.

فهل يستطيع إخواننا في حركة البوليساريو أن يفكروا ويقرروا بواقعية وعقلانية واستقلالية، وهل يستطيعون التصرف خارج صندوق الجيش الجزائري، واضعين نصب أعينهم دروس التجربة الكردية وما انتهت إليه؟

*أحمد الريسوني