حرية الرأي والتعبير في الفضاء الافتراضي … بين القيود والضوابط
لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد وسيلة للتواصل، بل ارتقت إلى مزاحمة المشهد الإعلامي و فتحت النوافذ أمام نقل الأخبار وتبادل المعلومات وتداولها وبث الصور والفيديوهات، كذلك متابعة الأحداث من كل بقاع العالم، وخلق مساحة أوسع للتعبير عن الرأي والتوجهات والمواقف.
وتعد حرية التعبير والرأي حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وجب التمتع به، فجاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية باعتباره الإطار الدولي الأساسي، إذ نص في المادة 19 منه على أن، “لكل إنسان الحق في اعتناق أراء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى”.
وعلى المستوى الوطني خصص المشرع في الباب الثاني من دستور 2011 انطلاقا من الفصل 19 إلى 40 “خصص” للحقوق والحريات، إذ نص الفصل 25 على أن : ” حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها …”، وفصل أكثر فيما يتعلق بالحقوق، فجاء في نص الفصل 29 ” أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، وكذلك حق الإضراب”.
قيـود
أثناء ممارسة صحفيين أو مدونين حقهم المشروع في التعبير عن أراء ومواقف عبر حساباتهم الشخصية، قد يتعرضون للتضييق من طرف مؤسسة العمل التي يشتغلون داخلها. أو أطراف أخرى.
بهذا الخصوص، ترى ماجدة أيت لكتاوي صحافية ومدربة في مجال الإعلام، بأن النقاش لا يزال متجددا حول تواجد الصحافيين والإعلاميين على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، وحول حدود التعبير عن آرائهم ومواقفهم في قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية، وإن كان الأمر لا يؤثر سلبا أو إيجابا على مسارهم المهني وعلى العلاقة بينهم وبين المؤسسات والقنوات الإعلامية التي يشتغلون لصالحها.
وأبرزت الصحافية بأنه “خلال السنوات الأخيرة بتنا نطالع أخبارا بتوقيف وطرد صحافيين وإعلاميين من مؤسساتهم والسبب يكون مواقفهم المعبر عنها على حسابات خاصة وشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، ولعل آخر هذه الأخبار ما وقع مع الزميل عبد الصمد ناصر مع قناة الجزيرة، وقبله زملاء من جنسيات عديدة كانوا يشتغلون في مؤسسات دولية مرموقة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالتعبير عن الرأي بخصوص الحرب على غزة أو العدوان الإسرائيلي”.
ومن جهتها أوضحت أيت لكتاوي “بأن الموضوع يبقى منقسما بين المهتمين والعاملين في المجال بين من يرى أن للصحافيين كما باقي الناس لهم الحق في التعبير عن آرائهم ومواقفهم على الشبكات الاجتماعية، بكل حرية على اعتبار أن حرية الرأي والتعبير تأتي في مقدمة الحقوق والحريات التي تناولتها المواثيق الدولية وركزت عليها. ولأن مواقع التواصل تظل فضاءً خاصاً بالشخص صحافيا كان أم مدونا.”
وأضافت “فيما تنتصر الفئة الثانية إلى أن الصحافي أو الإعلامي يجمعه عقد عمل مع مؤسسته وقد تكون الآراء التي يعبر عنها تضر المؤسسة أو تخالف خطها التحريري أو تفسد علاقاتها مع أطراف أخرى أو تخدش مصداقيتها أمام الجمهور والقراء”.
في هذه الحالة تتدخل القوانين المعمول بها في كل بلاد، تأكد المتحدثة حيث يخضع الصحافيون العاملون في كل بلد إليها، إلى جانب القوانين الداخلية لكل مؤسسة على حدة، حيث أن بعض المؤسسات تلزم صحافييها وإعلامييها بتوقيع ميثاق قد يكون من بين بنوده بأن يحترمون الخط التحريري لمؤسساتهم وأن يقوموا بالتماهي معه حتى على صفحاتهم وحساباتهم.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن أدنى ما يطلب من الصحافي أو المدون أثناء التعبير عن رأيه أو موقفه من مختلف القضايا والأخبار والمستجدات على الصفحات والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، هو نفس ما يتحتم على باقي مستخدمي الانترنت والشبكات الاجتماعية فعله، عبر الامتناع عن السب والقذف والتشهير واستعمال عبارات التهديد والتحرش أو الإشادة بالجرائم والإرهاب أو كتابة أخبار زائفة أو ترويجها ونشر معطيات شخصية أو محادثات وصور.
ضوابـط
أفسحت منصات التواصل الاجتماعي المجال أمام عادات وممارسات يومية، جعلته الوسيلة الأكثر استخداما وتصفحا، و جعلت من العالم قرية صغيرة، لقدرته على هدم الحواجز وتقليص الوقت بين الأفراد، وتقاسم الأخبار واليوميات والصور…
وتعليقا على هذا المستجد أوضح عبد الرحمان علال خبير في مجال حقوق الإنسان أننا أمام متغير جديد في مجالات السياسة والاجتماع، وذلك بفعل الطفرة التكنولوجية الجديدة، وعلى ضوء ذلك تغيرت قواعد التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي، سواء من لدن الأفراد، أو من طرف الدول والحكومات والسلطات بشكل عام، التي سعت إلى بسط رقابتها على هذه الفضاءات، وجعلها مشمولة بتتبعها اليومي والمستمر، شأن ذلك شأن الفضاء العام، الذي جعلته السلطة دوما تحت رقابتها.
ويرى الخبير في مجال حقوق الإنسان “أنه يجب الأخذ بالاعتبار هذا التحول الوظيفي الذي طَالَ هذه المنصات، والأهمية المتنامية التي شكلتها هذه الشبكات، لا يمكن أن ننسى “حركة 20 فبراير”، ثم الاحتجاج على إعفاء مغتصب الأطفال دانييل كالفان، وصولا إلى الاحتجاج ضد مشروع المدونة الرقمية، وحراك الريف، ثم قانون تكميم الأفواه، وهو سياق عام. كما أن الكثير من الدول عرفت ديناميات احتجاجية، كانت فيها منصات التواصل الاجتماعي، فاعلا ومؤثرا، وانخرط فيها الصحفيون والمدونون وكتاب الرأي، وعموم المواطنين”.
وتابع ذات المتحدث “بأننا أمام هذا التحول، لـم يعد التدوين والكتابة والتفاعل في منصات التواصل الاجتماعي، سواء على مستوى الكتابة في الحائط الشخصي، أو تقاسم الصور، أو التعليق، يخضع للضوابط نفسها التي كانت قبل عشر سنوات مثلا، حيث كان هامش الحرية أكثر اتساعا مما هو عليه الحال اليوم، ولـم تكن متابعة المدونين والصحافيين بسبب كتابة التدوينات، أكثر شدةً مما هي عليه في السنوات القليلة الأخيرة”.
وأكد علال على أن شرطَ التدوين مقيدٌ بالحرية في التعبير عن الرأي، وهو الحق المكفول بقوة الاتفاقيات الدولية التي يعتبر المغرب طرفا فيها، ويتفاعل مع اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التي يُعهد إليها تلقي تقارير المغرب الدورية، حول إعمال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتُصْدِر في ضوء ذلك توصيات ملزمة للمغرب، ناهيك عن التوصيات الصادرة برسم دورات الاستعراض الدوري الشامل.
وخلُص الخبير في مجال حقوق الإنسان إلى “أن التدوين مؤطرٌ كذلك بمعطى المسؤولية، بحيث لا يمكن رمي الناس بالباطل، أو اتهامهم بما لم يأتوه من أفعال وممارسات، سواء كانوا أفرادا، أو مسؤولين عموميين، الأمر الذي يجعل المعني بالأمر تحت طائلة المتابعة القانونية، مع حقه في قرينة البراءة، واحترام قواعد المحاكمة العادلة؛ غير أن الإشكال المثار في هذا الباب، هل نتابعه بقانون الصحافة والنشر، أم بمجموعة القانون الجنائي، في ظل الجسر الواقع بين هذين النصين القانونيين، علما أن الأصل هو الحرية، ثم المتابعة بقانون الصحافة والنشر”.
أخلاقيـات
مع وجود فضاء جديد لتقاسم المعطيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد الأستاذ الجامعي في القانون الدولي حميد بلغيت، أن كل ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة لا يحتاج لإقرار حقوق جديدة وإنما المبدأ العام هو أن الصحفيين والمواطنين يتمتعون بكافة حقهم في حرية الرأي والتعبير كيفما كان الفضاء والوسط الذين يمارسون فيه هذا الحق، سواء كانوا في الفضاء الواقعي أو الفضاء الافتراضي، بالإضافة إلى أن الصحفيين تحت نظام قواعد ومنظومات قانونية تضبط كل الأمور المرتبطة بحرية الصحافة والنشر، أي تبقى هي النظام الذي يخضع له الصحفيون”.
وأشار بلغيت إلى أن الإشكال الأكبر مرتبط بمدونة الأخلاقيات ومدونة السلوك الصحفي، وبالتالي لا شيء يمنع أو يقيد حرية الصحفيين في التعبير عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم يخضعون لقيد، إذ لا يمكن للصحفي أن يكون في مقاولة صحافية أو مؤسسة إعلامية ولا يخضع لأنظمة قانونية مرتبطة بالصحافة والنشر.
وأوضح المتحدث بأن الصحفي مقيد بأخلاقيات الممارسة المهنية فعند التعبير عن رأيه في “فيسبوك أو تويتر منصة إكس” تجده يتحرر من هذه الارتباطات والاعتبارات الأخلاقية والسلوكية، بالرغم من حضور صفته الشخصية وليست المهنية، يفترض فيه الحفاظ على ما تعلمه أثناء خضوعه للتكوين الأكاديمي إذ أنهم واعون بقواعد مرتبطة بتقاسم المعلومات وتداولها، وكيفية التحقق من المعطيات وجب استحضار هذه الأدوات حتى في وسائل التواصل الاجتماعي.
ضمانـات قانونيـة
وعلاقة بوجود ضمانات قانونية أوضح حميد بلغيث أنها متوفرة على المستوى الدستوري، ومدونة الصحافة والنشر، التي تتيح للصحفيين حرية الرأي والتعبير من حيث التنصيص الصريح على هذا الحق.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن الحاجة ملحة من أجل تعزيز الضمانات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير للصحافيين وفق حالات خاصة، أولا عبر إقرار قانون واضح وصريح لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى ضمانات قانونية مرتبطة بالصحافة الاستقصائية فإلى حد ما لا زال الأمر هشاً.
وأضاف بلغيت أن الحماية اللازمة غير مرتبطة بعلاقة الصحفي بالدولة بل “يجب حمايته من أطراف أخرى “ثالثة” خصوصا المتعلقة بالقطاع الخاص، وأصحاب المصالح الأمر الذي يمس سلامتهم النفسية والجسدية، زد على ذلك، الهشاشة التي تعاني منها الصحافة المحلية التي تتعرض لمضايقات وانتهاكات تفوق منسوب التي تتعرض له الصحافة الوطنية” وفق تعبير المتحدث.
كما لفت الأستاذ الجامعي إلى أن حماية الصحافيات تستلزم وجود ضمانات عامة مع ضرورة استحضار النوع الاجتماعي، الأمر الذي أثير على مستويات متعددة ومن عدة منظمات دولية ركزت على الحاجة في إقرار ضمانات خاصة في المنظومة القانونية.
وديـان أيت لكتاوي