حرارة مونديال الأندية !
بعدما بشّرَتنا الفيفا طيلة شهور بأن النسخة “المتحورة” لكأس العالم للأندية، ستشهد حرارة في التنافس على الفوز والظفر بالجوائز المالية الضخمة.. اكتشفنا بعد مرور الكثير من مباريات الدور الأول، أن الحرارة الوحيدة المتواجدة في البطولة لحد الآن، هي حرارة الطقس الأمريكي التي تخرج برطوبتها الخانقة ألسنة اللاعبين والمتفرجين على حد سواء.
كانت صورة مثيرة ومعبرة لم تحدث من قبل، تلك التي تم التقاطها للاعبين الإحتياطين لفريق دورتموند الألماني، وهم داخل مستودع الملابس المكيف، يشاهدون على شاشة التلفاز زملاءهم الأساسيين يخوضون مباراة ضد صانداونز الجنوب إفريقي في عز الظهيرة وفي حرارة مفرطة فاقت الأربع والثلاثين درجة مئوية.
نحن نتحدث هنا عن لاعبين احتياطيين ليس مطلوب منهم شيء سوى الجلوس في ظل كراسي الإحتياط وانتظار اللحظة التي سيقرر فيها المدرب إشراكهم، لم يتحملوا ذلك وسط لهيب درجة الحرارة السائدة.. فماذا عن اللاعبين الأساسيين؟! هل من المنطق أن نتحدث عن أدائهم التقني، وعن صمودهم البدني، ونحاسبهم عن أخطاء ارتكبوها تحت شمس حارقة تقف فوق رؤوسهم !!
برنامج مباريات مونديال الأندية، وتوقيت بعضها هو جريمة ضد النفس البشرية ترتكبها الفيفا عن سبق إصرار وترصد. فالسعي نحو إنجاح هذه النسخة الأولى بأي ثمن، وإرضاؤها للشركات المستشهرة ومشتري حقوق النقل التلفزيوني، جعلها تحاول ضمان أعلى نسب مشاهدة للمباريات في البلدان البعيدة عن الولايات المتحدة الأمريكية والتي يفصلها عنها فارق توقيت كبير، فلجأت إلى برمجة أغلب المباريات نهارا وفي عز الظهيرة، دون أن تكثرت لفصل الصيف وللحرارة المفرطة التي سيلعب فيها لاعبون أغلبهم يمارس كرة القدم قي أجواء باردة طيلة الموسم.
إمبراطورية الفيفا تؤكد مرة أخرى أن شغلها الشاغل وفلسفتها المحورية التي تسير بها كرة القدم في العالم، هي حلب ما يمكن من المباريات والمسابقات والكؤوس، ولا يهمها في ذلك الجانب الرياضي والتقني، ولا تعني لها صحة اللاعبين البدنية والنفسية شيئا، ولا تعير اهتماما لشكاوى نقاباتهم ولا لمعارضيها في هذا التوجه الجشع.
الأجواء الحارة التي تدور فيها مباريات مونديال الأندية، أثرت بشكل واضح على المستوى العام للدورة، وأظهرت معاناة الكثير من الأندية مع هذا الطارئ المناخي القاسي، وخاصة الأندية الأوروبية المتعودة على اللعب والتدرب في أجواء باردة بل أحيانا صقيعية، فيما أندية أخرى أظهرت مقاومة بدنية طفيفة، وخاصة الجنوب أمريكية، الشيء الذي يفسر زعامتها لأغلب المجموعات.
حرارة الأجواء المناخية الأمريكية ومعاناة الأندية الأوروبية معها، لابد وأن تذكرنا بمعضلة منتخبنا الوطني الأزلية مع الأجواء الإفريقية.. فالذي يقع حاليا للاعبين الأوروبيين في أمريكا مع الطقس الحار والرطب، هو نفسه الذي يعانيه لاعبونا المزدادون والممارسون في أوروبا عندما نذهب بهم إلى “صهد” جنوب الصحراء ورطوبته الخانقة لنطلب منهم أن يكونوا في كامل لياقتهم ويفوزوا ويواجهوا خصوما يعرفون جيدا الأجواء التي ولدوا وتربوا فيها.
كثير من المغاربة يرون أن فرصة الفوز بكأس إفريقيا للأمم التي ستحتضنها بلادنا بعد ستة أشهر في أجواء “أوروبية” ، ربما لن تأتي مرة أخرى إلا بعد مرور عقود من الزمن، بسبب معطى المناخ الإفريقي الذي يتعارض كليا مع طبيعة لاعبي منتخبنا الوطني، والتوجه العام نحو استقطاب المواهب المغربية في أوروبا التي لا يربطها بالأجواء الإفريقية وخصوصياتها الكروية سوى الخير والإحسان.