story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

جيل Z والتّمويل الخارجي

ص ص

لو تحدّث أيّ مواطن بسيط على قمّة جبل من المغرب المنسي، وقال بأنّ “هذا الوزير، أو ذاك الزّعيم، مموّل من الخارج، ويخدم أجندة خارجيّة”، لتمّت دحرجته في جنح اللّيل إلى أقرب مخفر، ليسأل عمّا سوّلت له نفسه. ولجُرجر في المحاكم، حتّى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ثمّ تصبح أيّامه سوداء بعد ذلك. لكنّ محاميّا على رؤوس الأشهاد في قلب العاصمة، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، قال ما قال، وانصرف هانئ البال. ثمّ يتساءل البعض لماذا خرج جيل Z!

إذا سلّمنا جدلا بأنّ كلّ من خرج ليشكو من جهل التّعليم، أو مرض الصّحة في البلد، مموّل من الخارج، ويخدم أجندات أجنبيّة. هل هذا يعني أنّ من يقول بجودة التّعليم، والصّحة في المغرب، مموّل من الدّاخل، ويخدم أجندات داخليّة؟ ووسط عدميّة توزيع الاتّهامات كيفما اتّفق، تضيع أحلام المغاربة، في التّعليم، والصّحّة، والشّغل. ويصبح الوطن كلّه على كفّ عفريت.

حينما كنّا نكتب مع بعض الأقلام، بأنّ تدجين مؤسّسات الوساطة، سيجعل الدّولة في مواجهة مباشرة مع الشّارع، لم يكترث بكتاباتنا أحد. ولربّما كنّا نصنّف في خانة السّوداويّين “قاصحين الراس”. أحيانا أتساءل، من أين للمسؤولين بكل هذا الاطمئنان من حركيّة التّاريخ؟ كيف لا يتوقّعون النّتائج، ما دامت الأسباب مستقرّة في القاع مثل الصّفائح التّكتونيّة!

ما حدث يومي 27 و28 شتنبر، هو نتيجة طبيعيّة لاستقالة الأحزاب الوطنيّة من مهمّة التّأطير السّيّاسي للمجتمع، والتّرافع عن مشاكله بخطاب واضح وواقعي. أغلقت المقرّات، وصارت السّيّاسة، لا تمارس إلّا في الرّباط. أمّا ما تبقى من فروع، فليست أكثر من ثكنات تجشّ ب “الطّارئين” لصالح الزّعماء الخالدين، و”حفلاتهم” الانتخابيّة، المعتمدة على “التيراشراش”.

تخيّلوا للحظة، أنّ وليّ العهد حفظه اللّه – وهو ينتمي عمريّا لجيل Z بالمناسبة – منذ أن بدأ يتشكّل وعيه السّيّاسي في هذا الوطن، وهو يرى نفس الوجوه، تردّد نفس الخطاب، بنفس اللّغة، وكأنّ هذا الوطن، لم ينجب غيرهم. دريس لشكر زعيم منذ 2012 إلى الآن. نبيل بن عبد الله زعيم منذ 2010 إلى الآن. عبد الإله بنكيران زعيم منذ 2008  إلى الآن. مع فاصل في الصّالون. نبيلة منيب زعيمة منذ 2012 مع الاعتماد على ديمقراطيّة فلاديمير بوتين وميدفيد. أخنوش زعيم منذ 2016 إلى الآن، ووزير منذ 2007 إلى أن “ترقّى” ليصبح رئيس حكومة. نزار بركة زعيم منذ 2017 إلى الآن. وبالكاد بدأ ولايته الثّانيّة. ناهيك عن عشرات الأحزاب السّيّاسيّة الّتي لا يعرف المغاربة لا زعماءها، ولا برامجها، ولا مقرّاتها.

أعتقد أنّ المغرب، هو البلد الوحيد في العالم، الّذي ينتظر فيه الشّعب “الميركادو السّيّاسي”. فالنّخب السّيّاسيّة لا تتقاعد في هذا الوطن، بل تدوّر كما تدوّر…تماما تلك هي الكلمة. من في اليمين، قد يصبح في اليسار، ومن في اليسار، قد يصبح في اليمين. من في المعارضة، قد يكون خطابه حكوميّا بامتيّاز. ومن في الحكومة، قد يصبح معارضا أمام المناضلين في المقرّات الحزبيّة. من أغضبه ضياع منصب، يطيّب خاطره بآخر دون جهد جهيد. قد يتعلّم المرء لغة الفضائيّين بسهولة، لكن يصعب عليه فهم منطق السّيّاسة في هذا البلد.

ولأنّ اللّا منطق بات هو المنطق. فقد ابتدع الشّباب ما يرونه صوابا رغم كلفته. ابتكروا التّنسيقيّات حينما صارت النّقابات والأحزاب ضيعات خاصة. لجؤوا لمدرّجات كرة القدم، حين أمسى البرلمان بناية دون روح. فروّا إلى وسائل التّواصل الاجتماعي، بعدما تسلّلت الوصاية إلى الاعلام. كل هذا العبث هو ما يجعلنا نحصد ما نحن بصدد حصده الآن.

جيل Z ليس مموّلا من الخارج، بل من الدّاخل. مموّل بإهمال المدرسة العموميّة. مموّل برداءة الخدمات الصّحّيّة. مموّل بارتفاع نسب البطالة بين الشّباب. مموّل بالتّفاوت الطّبقي الصّارخ بين النّاس حتّى في نفس المدينة، فما بالك بين جهة وأخرى. مموّل بالأطفال الّذين ينامون في الشّوارع، ويتسّولون أمام الحانات وإشارات المرور ليلا. مموّل بإعلام عمومي منفصل عن هموم النّاس. مموّل بأحزاب سيّاسيّة، لا تنظر إلى المحرومين إلّا كأرقام انتخابيّة. مموّل بنقابات لا توازن بين الحقّ والواجب.

أكثر من أيّ وقت مضى، يجب أن يعود للسّيّاسة نبلها في هذا الوطن. ونبل السّيّاسة هو الفصل بين المال والسّلطة. المغرب بحاجة إلى طبقة سيّاسيّة، تتنافس في ابتكار الحلول لرقيّ الوطن، لا في درجة إنزال البنطلون. على “جيوب المقاومة” كما كان يسمّيهم السّي عبد الرحمان اليوسفي، أن يرفعوا أيديهم عن الأحزاب السّيّاسيّة، والإعلام تحديدا. لأنّهما الرّئة الّتي يمكن أن يتنفّس من خلالهما أيّ مجتمع ديمقراطي. وإذا استمرّوا في تعنّتهم، ف “غادي يولدو شي بيضة ما وصلاش”.

جيل Z يريد فقط حياة كريمة ومطمئنّة، والكرامة منبعها التعليم، فيما الطمأنينة جوهرها الصّحة.