حماة المال العام: استثناء الجمعيات من ملاحقة المختلسين هدفه تجريد المجتمع من أدوات التصدي للفساد
أثارت مصادقة المجلس الحكومي، أمس الخميس 29 غشت 2024، على مشروع قانون المسطرة الجنائية نقاشاً بشأن مضمونها خاصة في ما يتعلق بالمادة الثالثة من القانون، والتي اعتبرتها الجمعية المغربية لحماية المال العلم ردة “حقوقية ودستورية” تمنع جمعيات المجتمع المدني من التبليغ وفضح الفساد والمفسدين.
في هذا الصدد، قال محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام إن الهدف الحقيقي من وضع نص المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية هو “تجريد المجتمع أفراداً وجماعات من كل الأدوات والإمكانيات القانونية والمسطرية والحقوقية للتصدي للفساد وللصوص المال العام، والمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة بعدما اتضح للمستفيدين من واقع الفساد أن الظرفية الحالية تسمح بتمرير هكذا قوانين تشكل في عمقها ردة حقوقية ودستورية”.
وتنص المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية على أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.
ويرى الغلوسي أن المادة المذكورة “تترجم الإرادة الواضحة للتوجه المستفيد من الإثراء غير المشروع، وواقع الريع والفساد واستغلال مواقع المسؤولية العمومية”، والهادفة إلى إغلاق الحقل الحقوقي والمدني “وإفراغه من محتواه لإنهاء أي ازعاج أو تهديد أو تشويش على مصالح شبكات ومافيات الفساد والريع”.
وأورد الحقوقي والمحامي بهيئة مراكش محمد الغلوسي أنه من شأن هذه المادة تقويض الدستور المغربي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب، والقانون رقم 10-37 الخاص بحماية المبلغين عن جرائم الفساد، فضلاً عن كونها “تقيد مهام ودور النيابات العامة والشرطة القضائية فيما يتعلق بالتصدي لمخالفات القانون الجنائي كما هو وارد في المسطرة الجنائية المعمول بها حالياً”.
وشدد على أن معركة مكافحة الفساد والريع والرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة “لا تنفصل مطلقاً عن معركة الديمقراطية، وهي بذلك معركة، يضيف المتحدث ذاته “تهم كل القوى الحية وكل الإرادات الصادقة المؤمنة بمغرب آخر ممكن، قائم على التوزيع العادل للثروة وفصل السلط”.
وأشار إلى أن سعي من سمّاه “اللوبي المستفيد” من واقع زواج السلطة بالمال والإثراء غير المشروع إلى “التطبيع مع الفساد والريع والرشوة وشرعنة ذلك باستعمال كل الوسائل والآليات بما فيها البرلمان الذي يفترض أن يكون آلية لتنزيل التزامات المغرب الدولية والدستورية في تخليق الحياة العامة ومناهضة الفساد والرشوة”، سيتم توقيفه حسب الغلوسي “في الدفاع عن إشاعة الفساد والرشوة والإفلات من العقاب والتضييق على مناهضي وفاضحي الفساد”.
ودعا في هذا الشأن القوى الحية والديمقراطيين إلى “التكتل لصياغة برنامج نضالي لمواجهة التوجه الذي يسعى إلى ضرب المكتسبات الحقوقية والدستورية”، مشيراً إلى أن المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام سيجتمع الثلاثاء القادم، 3 شتنبر 2024، لدراسة حيثيات الموضوع واتخاذ القرارات المناسبة.
وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد عبر في أكثر من مناسبة أمام البرلمان عن رفضه لقيام جمعيات حماية المال العام بوضع شكايات أمام النيابة العامة ضد منتخبين وشخصيات في قضايا اختلاس المال العام، معبراًعن انزعاجه مما وصفه بالتوظيف السيء لهذه الشكايات واستعمالها في تصفية الحسابات السياسية.
واتهم الجمعيات بممارسة الابتزاز ضد المنتخبين، وهو ما أثار حينها غضباً واسعاً في صفوف جمعيات حماية المال العام التي لم يعزز اتهاماته لها بوقائع ملموسة، في الوقت الذي تمت فيه متابعة عدد من المنتخبين قضائياً وإدانتهم بناء على شكايات حول الفساد ونهب المال العام وضعتها هذه الجمعيات.