ثلث فتيات القرى بالمغرب خارج التعليم والعمل.. اليعقوبي: الواقع أكثر تعقيداً

سجلت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن نحو ثلث الفتيات القرويات في المغرب يعشن في وضعية “نيت” (NEET)، أي خارج نطاق التعليم والعمل والتكوين.
وجاء في تقرير المنظمة الأممية، بعنوان “وضعية الشباب في الأنظمة الزراعية والغذائية”، أن حوالي 33% من الشابات والفتيات، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً في الوسط القروي، لا يدرسن، ولا يعملن، ولا يتابعن أي تكوين. بينما تقارب هذه النسبة 26% في صفوف الشابات في الوسط الحضري.
وفي هذا السياق، ترى الناشطة الحقوقية فتحية اليعقوبي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن وضعية الفتيات في البوادي المغربية “أكثر تعقيداً مما نتصور”، مشيرة إلى أن معظم المناطق القروية تعاني من ضعف أو انعدام في البنية التحتية الأساسية، “مما يجعل تمكين الفتيات من حقوقهن، وخصوصاً في التعليم، أمراً بالغ الصعوبة”.
وتسجل اليعقوبي، رئيسة منتدى المرأة للمساواة والتنمية بشمال المغرب، “غياباً واضحاً” للبنيات الضرورية مثل الطرق، والمدارس، والمستشفيات، ودور الثقافة، ودور الشباب، وهو ما يؤدي إلى ضعف ولوج الفتيات إلى التعليم، ويُجبر العديد منهن على مغادرة المدرسة في المراحل الإعدادية، وأحياناً حتى في المرحلة الإبتدائية.
وتشير إلى أنه في حال اعتماد مجموعة مدرسية وسط الدواوير لتجميع التلاميذ، “تكون هذه المدارس في كثير من الأحيان بعيدة”، ويزيد من تعقيد الوضع غياب الطرق الصالحة، خاصة خلال فصل الشتاء، مما يعوق التحاق الفتيات بالمدرسة أو استمراريتهن في الدراسة.
وحتى عندما تكون هناك طرق، تسجل اليعقوبي “غياب النقل المدرسي أو عدم كفايته”، وهو ما يدفع كذلك العديد من الأسر إلى وقف تعليم بناتهن.
كما يمكن أن يكون “انتشار عقليات سائدة ترى أن الفتاة مكانها في البيت، ومستقبلها في الزواج، وليس في التعليم أو العمل” سبباً من الأسباب التي تؤدي إلى هذا الوضع، بحسب اليعقوبي.
وتنبه المتحدثة، وهي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في العرائش، إلى الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي قد تعاني منها الأسر القروية، “إذ لا يمكنها تحمّل تكاليف الدراسة أو التنقل، مما يدفعها إلى توقيف تعليم البنات أو حتى عدم تسجيلهن في المدرسة أصلاً.
وتشير إلى أن كثيراً من الفتيات اللواتي ينجحن في التعليم الابتدائي، لا يتمكنّ من الالتحاق بالإعدادية بسبب غياب هذه المؤسسات التعليمية في البوادي. وهنا تواجه الأسر تحديًا آخر، تقول اليعقوبي “وهو توفير السكن أو التنقل لهؤلاء الفتيات إلى مراكز الإعداديات، وهو أمر صعب في ظل غياب داخليات كافية ودور الطالبة”.
كما أن الأسر قد ترفض إرسال بناتها إلى مناطق بعيدة خوفاً من تعرضهن لأي مكروه، خاصة إذا كانت الفتاة صغيرة السن (12 أو 13 عاماً).
وبالنسبة الفتيات اللواتي يتمكنّ من استكمال الدراسة في الإعدادية، فيجدن بدورهن صعوبة أكبر عند مرحلة التأهيلي، بحسب اليعقوبي، إذ يكون عليهن التنقل إلى المدن، التي تكون غالباً بعيدة عن الدواوير، مما يضع الأسر في موقف صعب، ويدفعها أحياناً إلى توقيف المسار التعليمي لبناتهن عند هذه المرحلة”.
أما على مستوى الشغل، فترى رئيسة منتدى المرأة للمساواة والتنمية بشمال المغرب أن الوضع مرتبط أساساً بالتعليم. إذ أن نسبة البطالة في صفوف الفتيات القرويات “في تزايد مستمر”، وحتى إن حصلن على عمل، “فإنه يكون غالباً عملاً غير قار أو هامشياً، مثل الاشتغال في الصناعات التقليدية أو التعاونيات أو الفلاحة والضيعات الزراعية”.
وشددت الفاعلة الحقوقية على أن عدداً كبيراً من الفتيات يضطررن للانتقال إلى المدينة للبحث عن العمل، خصوصاً في المعامل أو في بعض المرافق، “بينما تُمنع أخريات من ذلك، فيبقين في القرية بدون عمل”.
كما أن هناك عدة إكراهات تحول دون إدماج الفتاة القروية في سوق الشغل، “خاصة إذا كان العالم القروي مهمشاً، يفتقر إلى الإمكانيات والبنيات والمؤسسات الاقتصادية التي يمكن أن تشغل هذه الفتيات”.
ولتجاوز هذا الوضع، تقترح الناشطة الحقوقية فتحية اليعقوبي مجموعة من الحلول، بينها تعميم المؤسسات التعليمية، بما في ذلك الإعداديات والثانويات، في جميع القرى والبوادي، وتوفير الداخليات ودور الطالبة بكثافة لتشجيع التمدرس، فضلاً عن تحسين البنية التحتية، خصوصاً الطرق والنقل المدرسي.
كما دعت اليعقوبي إلى نقل مشاريع اقتصادية إلى العالم القروي لتوفير فرص شغل للفتيات، إلى جانب تكثيف حملات التوعية والتحسيس لفائدة الأسر، لتغيير العقليات حول تعليم الفتاة وحقها في التعليم والعمل.
وتحذر اليعقوبي أيضاً من “رهن مستقبل الفتاة القروية بالزواج فقط”، معتبرة أنه “ليس ضماناً دائماً، لأنه قد يواجه هو الآخر مشاكل مثل الطلاق أو الترمّل”، ما يجعل الفتاة في “وضع هش إذا لم تكن مستقلة اقتصادياً”.
وفي هذا السياق، تشير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أن تحسين البنية التحتية الطرقية، خاصة الطرق المعبدة، يُعتبر استجابة حقيقية لتحديات التنقل، ويساهم في خلق فرص اقتصادية جديدة.
ورغم أن نسبة الفتيات والشابات القرويات اللواتي لا يدرسن ولا يعملن ولا يتابعن أي تكوين لا تتجاوز الثلث، فإن عمل المغرب على تحسين الولوج إلى الطرق ساهم، بحسب المظمة الأممية في “ارتفاع نسب التمدرس في الثانوي لدى الشابات، وانخفاض في نسب الزواج المبكر”، مفترض أن يكون ذلك “بسبب توفر خيارات نقل أفضل”.
أما بالنسبة إلى الشباب، فإن “تحسين البنية التحتية الطرقية ساهم في تسهيل الولوج إلى العمل المأجور، مع تأثير محدود فقط على مستوى التعليم”.
ويمثل الشباب الذين يعيشون دون تعليم أو عمل أو متابعة تكوين، سواء في المدن أو القرى، نسبة 12%، وتُعتبر هذه الأرقام مقلقة إلى حدّ كبير، خصوصاً وأن الشباب يمثلون حوالي 16% من سكان المناطق القروية في المغرب.