“تواري” رئيس الحكومة عن الأنظار يثير نقاشا سياسيا ودستوريا
خلق تواري رئيس الحكومة عن الأنظار منذ عدة أيام نقاشا سياسيا ودستوريا، حول أسباب ودوافع هذا الغياب وتأثير ذلك على سير المؤسسات الدستورية، ومدى احترام رئيس الحكومة لمقتضيات دستور 2011، التي تلزم رئيس الجهاز التنفيذي بعقد اجتماعات المجلس الحكومي على الأقل مرة واحدة كل أسبوع، والحضور إلى البرلمان، مرة واحدة في الشهر، للإجابة عن أسئلة البرلمانيين حول السياسة العامة في إطار جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة.
ولم ينعقد المجلس الحكومي إلا مرة واحدة خلال الشهر الجاري وكانت بتاريخ 10 يناير 2024، ورئيس الحكومة لم يزر مجلس المستشارين منذ أزيد من شهر، بحيث كان آخر حضور له بالغرفة الثانية في 19 دجنبر 2024، في حين يتواصل غيابه عن مجلس النواب منذ 27 من نونبر 2023.
انتقادات واسعة
وقد أثار تواري رئيس الحكومة عن الأنظار خلال هذه الفترة، انتقادات واسعة، سواء من طرف الفاعلين، أومن طرف المراقبين والمحللين السياسيين، الذين اعتبروا غياب رئيس الحكومة عن المشهد، “هروبا من مواجهة المشاكل المتعددة التي يتخبط فيها المغرب”.
في حين يرى آخرون أن هذا الغياب “يجب أن يكون لاعتبارات موضوعية أو لارتباطات مؤسساتية، تحول دون ذلك”، لكن أن يتم الغياب في ظروف صعبة، تعرفها المملكة فإن ذلك يعكس سلوكا، “يمعن في إضعاف مؤسسة رئاسة لحكومة”.
“إضعاف” مؤسسة رئيس الحكومة
وفي هذا الصدد يقول عبد الحفيظ اليونسي أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات، “إن غياب ررئيس الحكومة عن أداء واجبه الدستوري، وعدم حضوره السياسي على مستوى التعامل مع الأزمات التي عرفها المغرب سواء على مستوى التعليم أو التضخم أو مشكل الماء الذي يشكل عنوان المرحلة ونحن على مقربة من منتصف الولاية الحكومية، هذا الغياب يعطينا نتيجة واضحة وهي أن هناك من يمعن في إضعاف مؤسسة رئيس الحكومة”.
وأضاف اليونسي في تصريحه لصوت المغرب، أن سلوك رئيس الحكومة في غيابه المستمر عن البرلمان وعدم انتظامه في عقد اجتماعات المجلس الحكومي وضعف تواصله مع المواطنين “يعاكس التوجهات الملكية”، التي دعت الحكومة، في آخر بلاغ للديوان الملكي إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم تجاه المواطنين.
“معاكسة” التوجهات الملكية
وأضاف الأستاذ الجامعي أن “الإشكال اليوم، هذا السلوك الذي يمارسه رئيس الحكومة هو لا يعارض فقط الدستور وروح الدستور، بل يعارض أيضا حتى التوجهات الملكية”.
وفي نفس السياق، أوضح أستاذ القانون الدستوري، أن “هناك رئيس الدولة الذي لديه الشفافية في التواصل مع المواطنين، لكن يبدو أن الحكومة الحالية لديها رأي آخر وتوجه آخر عنوانه الأساسي هي قتل السياسة في المغرب وإضعاف مؤسسة رئاسة الحكومة.
غياب سببه الوضع الصحي
وبالمقابل تحدثت مصادر حكومية على أن غياب رئيس الحكومة عن عقد اجتماعات المجلس الحكومي بصفة منتظمة وتخلفه عن الحضور إلى البرلمان في أكثر من مرة، “راجع إلى وضعه الصحي، الذي يمنعه من ذلك”.
وفي هذا الباب قال عبدالحفيظ اليونسي، “إذا كان غياب رئيس الحكمة لمعطيات ذاينة مرتبطة بوضعه الصحي فالأمر متفهم، وحتى من الناحية الدستورية هناك بدائبل قانونية يمكن من خلالها لرئيس الحكومة أن يفوض من ينوب عنه”، كون دستور 2011، أحاط مؤسسة رئاسة الحكومة بمكانة قانونية مهمة تجعلها محرك باقي المؤسسات الأخرى التي هي في اتصال معها.
“لكن الواضح أن رئيس الحكومة بغض النظر عن الوعكة الصحية، فهو غائب طيلة منتصف هذه الولاية الحكومية، وهذا يعطينا إحساس باضعاف هذه المؤسسة وأيضا بقتل للسياسة، وكان هناك من يريد أن يقول للمغاربة إننا يمكن أن ندبر شؤونكم دون اللجوء إلى من يمثلكم بالمؤسسات المتخبة” يقول المتحدث ذاته.
خرق الدستور
وعلى مستوى البرلمان أثار غياب رئيس الحكومة عن جلسات المساءلة الشهرية لعدة مرات خلال هذه السنة جدلا كبيرا داخل المؤسسة التشريعية بين فرق الأغلبية والمعارضة من جهة وبين الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، حيث انتقد عدد من النواب هذا الغياب معتبرين ذلك “خرقا للدستور”.
فضلا عن ذلك، أشارت الرسالة الملكية الأخيرة بمناسبة الذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، إلى أهمية هذه المؤسسة في القيام بوظائفها الأربع في التقييم والمراقبة والتشريع والديبلوماسية.
ويقول اليونسي، إن ما يشجع رئيس الحكومة وباقي الوزراء “عن الغياب عن المؤسسات الدستورية وخاصة البرلمان وعدم التفاعل مع الرأي العام” هو توفرهم على أغلبية جد مريحة، “تحد من قدرة المعارضة على تحريك أو استعمال بعض المقتضيات الدستورية كملتمس الرقابة أو غيره”.
ضعاف المؤسسات أمر بالغ الخطورة
وخلص أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات إلى أن “إضعاف المؤسسات الدستورية التمثيلية بالخصوص قد يسعف اليوم المدبر الحكومي في تدبير بعض قراراته وتمريرها، لكنه قد يجني على المغرب في المستقبل”، لأن فقدان المواطنين للثقة في هذه المؤسسات، أمر بالغ الخطورة، خاصة عندما سنحتاج إليها في قضايا الاجماع الوطني لن نجدها آنذاك.
وكانت مصادر خاصة قد كشفت لصحيفة صوت المغرب في وقت سابق أن الجلسة الشهرية التي كانت مبرمجة في 15 من يناير الجاري لمساءلة رئيس الحكومة حول أزمة التعليم تم تأجيلها إلى ال 22 من نفس الشهر، ولم يحضر رئيس الحكومة إلى البرلمان ليتم تأجيل نفس الجلسة لمرة ثانية إلى 29 من يناير الجاري، ومع غياب بلاغات رسمية توضح دوافع وأسباب الغياب، من المحتمل أن يتم تأجيل حضور رئيس الحكومة إلى المؤسسة البرلمانية إلى الدورة الربيعية، على اعتبار أن البرلمان سيسدل الستار على أشغال الدورة الخريفية بعد أسبوعين من الآن.