تلاميذ لا بواكي لهم
ينتهي اليوم الجمعة أسبوع العطلة المدرسية التي راهن عليها البعض، وأنا منهم، لإنهاء الاحتقان الذي تعيشه المدارس العمومية منذ أكثر من شهرين، وقد فضلت شخصيا الصمت عن الموضوع أملا في انتهاء الأزمة وحتى لا أبدو كما لو أستثمر فيها أو أساهم في تمديدها. لكن المؤشرات التي خلص إليها هذا الأسبوع لا تبشر بالخير ولا تحمل على الاطمئنان.
من جانب الأساتذة المضربين، وإذا لم تحدث معجزة خلال مشاورات اليوم، فإن دعوات الإضراب مستمرة ولا يبدو أن الثقة بنيت مع التنسيقيات التي تقود الاحتجاج.
ومن جانب الحكومة، وباستثناء خطوة تجميد العمل بالنظام الأساسي المرفوض، لم تقدم الحكومة أي عرض يطمئن المواطن المغربي على مستقبل مدرسة أبنائه. لا صوت يعلو على صوت الترقيع المحاسباتي.
بعد ضياع قرابة ثلث السنة الدراسية على ملايين التلاميذ والتلميذات، نحن في أحسن الأحوال في الطريق نحو تضييع ولاية حكومية جديدة دون أمل في إصلاح ولو جزئي أو هامشي.
منطق “القوالب” يستمر مهيمنا على تدبير الشأن العام والتصرف في أموال المغاربة وحاضرهم ومستقبلهم. بعدما حاول الوزير بنموسى استباق عرض مشروع القانون المالي أمام البرلمان بطرحه المتسرع لمرسوم النظام الأساسي، ها هو رئيس الحكومة المثقل بورطة وعوده الانتخابية يمد يده، بعدما اقترب القانون المالي على الصدور، نحو الاعتمادات المالية التي منحت لوزارة التعليم قصد تنفيذ تجربة بيداغوجية كنا سنربح منها على الأقل تأهيل وتجهيز المدارس وتوفير حواسيب ومعدات جديدة، هذا اذا افترضنا أن المضمون البيداغوجي لهذا الاصلاح لا فائدة منه نهائيا، وهو افتراض معيب لأنه يبخس كل الطاقات والكفاءات التربوية التي نعلم أنها موجودة.
في دولة تتوفر على الحد الأدنى من احترام المنطق التدبيري السليم، لم يكن ليتم تحويل ميزانية اعتمدت على أساس أبواب معينة للإنفاق، إلى وجهة أخرى مختلفة، كما لو أن كل ذلك المسار الذي يقطعه إعداد الميزانية مجرد تسلية ومضيعة للوقت.
في غياب أي مؤشر عن تعديل مشروع القانون المالي لتضمينه اعتمادات مالية إضافية لتغطية الزيادات المستحقة والمشروعة في أجور الأساتذة، ما يجري هو تلاعب بمصالح المغاربة وعبث بأموالهم، وانتصار لمنطق التقوليب السياسي والانتخابي على كل الشعارات المرفوعة ظلما ضد الفساد ومن أجل النجاعة والحكامة… وإلا كيف يمكن لوزير التربية الوطنية أو وزير الميزانية تبرير تحويل اعتمادات كانت موجهة للتجهيزات والمعدات الضرورية لتعلم أبناء الفقراء، إلى زيادات في أجور الاساتذة، لفك ورطة رئيس حكومة وعد بزيادات وفشل في تحقيقها بشكل طبيعي.
دعونا نقولها صراحة: ما يجري للمدرسة العمومية اليوم هو مجرد نتيجة، وعَرض من أعراض مرض أصلي هو تحويل الشأن العام للمغاربة إلى حزمة ملفات تقنية وإدارية، وزعت على أشخاص، هم تقنيون وإداريون، أكفاء وعباقرة حتى، مثل بنموسى ولقجع، بينما في ذلك ظلم لهؤلاء وظلم للمؤسسات وظلم لمصالح المغاربة وحقوقهم.
تدبير الشأن العام يحتاج إلى إنتاج رؤى وتصورات مبنية على طموحات ويحملها المجتمع عبر قواه الحية الموجودة على الأرض. هكذا فقط يمكننا تحقيق الإقلاع المنشود إذا كنا نريد فعلا أن نكون ضمن الأمم التي اختارت الحرية والتعددية والانفتاح، في السياسة كما في الاقتصاد. أما ما يجري حاليا فهو نمط هجين، وتوليفة غير طبيعية بين واجهة ديمقراطية ومؤسساتية وعمق يستبد به القادمون من مكاتب الشركات ومدارس المهندسين.
لننتبه إلى هذا الوضع غير الطبيعي التي باتت عليه الدولة: تضخم مؤسساتي كبير دون طائل ولا جدوى. هيئات لمحاربة الفساد لم تحارب فساد، ومؤسسات للحكامة لم تأت بحكامة، ومجالس لحقوق الإنسان لم تمنع انتهاكات لحقوق الإنسان، ومجلس أعلى للتعليم لم نسمع له “حسا” في أزمة المدرسة العمومية الحالية، علما أن تركيبته يفترض فيها التنوع وتمثيلية جميع الفاعلين، ولا يمكن اعتباره مجرد مكتب دراسات.
نعم يجب إنهاء الأزمة الحالية بأسرع ما يمكن، لكن لابد أيضا من الاعتبار والبحث عن جذور ما يحصل والمسارعة إلى فتح مسار جديد للإصلاح، يعيدنا على الأقل إلى سقف دستور 2011 وروحه الديمقراطية.