story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

تقرير يعري “اختلالات” مخطط المغرب الأخضر في تدبير الموارد المائية

ص ص

أبرز تقرير حديث أن أزمة المياه التي يشهدها المغرب ليست وليدة الظرفية المناخية فقط، بل هي نتيجة لمسار تنموي طويل قائم على اختيارات هيكلية غير مستدامة، مؤكدا أنه في الوقت الذي كان فيه الهدف هو تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، تم تجاهل محدودية الموارد المائية وتزايد الضغط السكاني والعمراني.

وفي هذا السياق، أورد التقرير الصادر عن المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي، أن أولى الأسباب البنيوية التي أدت إلى الأزمة المائية في المغرب تتمثل في ما سماه بـ”عقيدة الإنتاجية”، مشيرًا إلى أن “النموذج الفلاحي القائم على التصدير الذي شكل العمود الفقري لمخطط “المغرب الأخضر” وبعده “الجيل الأخضر”، ورغم مساهمته في “تحديث القطاع الفلاحي وزيادة الصادرات، إلا أنه جاء بكلفة مائية باهظة”.

وأوضح التقرير أن “الدولة، في إطار هذا النموذج، شجعت بشكل واسع الزراعات ذات القيمة السوقية المرتفعة والتي تتطلب كميات هائلة من المياه، مثل الأفوكادو والبطيخ والفواكه الحمراء، وذلك من خلال الدعم المباشر والتسهيلات، مما أدى إلى توجيه الفلاحين نحو زراعات كثيفة الاستهلاك دون مراعاة لندرة الموارد المائية”.

وتابع أن هذه السياسة الفلاحية المكثفة نظّمت سباقًا وطنيًا نحو موارد مائية لم تعد متوفرة كما في السابق، مما أدى إلى اختلال خطير في التوازن بين العرض والطلب، مشيرا إلى أن ما حدث هو استنزاف غير محسوب لمخزون المياه الجوفية، بحيث أصبحت الزراعة، بهذا التوجه، المحرك الرئيسي لما وصفه بالاستغلال المزمن للفرشات المائية.

وأضاف المصدر أن المغرب لم يكتفِ باستهلاك الدخل المائي السنوي، بل عمد إلى تصفية رأسماله المائي غير المتجدد، في ما يشبه نزيفًا حادًا يهدد مستقبل الأمن المائي للبلاد.

ومن جملة الأسباب الأخرى، سلط التقرير الضوء على “فشل الحوكمة”، إذ أشار إلى غياب التنسيق بين مختلف المتدخلين في القطاع، موضحا أن وزارة الفلاحة، بفضل أهدافها الإنتاجية ومواردها الوازنة، تمارس تأثيرًا كبيرًا على القرار، في مقابل ضعف واضح في صلاحيات وزارة الماء ووكالات الأحواض، ما يُصعّب تحقيق توازن فعلي في السياسات العمومية المتعلقة بالموارد المائية.

وأضافت الوثيقة أن هذه الازدواجية المؤسسية انعكست بشكل مباشر على أرض الواقع، من خلال غياب شبه تام للرقابة على حفر الآبار، ما سمح بانتشار آلاف الآبار غير القانونية، كما أوضح أن هذه الفوضى في الاستغلال المائي تتم دون أي ضبط، حيث تُضخ المياه بشكل عشوائي وبدون حساب، ما يزيد من استنزاف الفرشات المائية بطريقة غير مستدامة.

كما بيّن التقرير أن تسعيرة المياه المخصصة للفلاحة ظلت منخفضة إلى درجة لم ترسل أية إشارة فعلية حول ندرته المتفاقمة، ما شجع على الاستهلاك المفرط بدل تقليصه، معتبرا أن الدولة، من خلال هذا النهج، أنشأت آلة فلاحية قوية وفعالة من حيث الإنتاج، لكنها أغفلت في المقابل توفير آليات للضبط والحد من الانفلات.

أما العامل الثالث الذي يعرضه المصدر فهو المعطى الطبيعي، موضحًا أن تراجع الموارد المائية المتجددة يشكل اتجاهًا طويل الأمد وليس مجرد ظاهرة مؤقتة، إذ يشهد معدل هطول الأمطار انخفاضًا مستمرًا، مما يؤدي إلى تقليص العائد المائي السنوي للمغرب.

وأضاف أن ما يزيد من تفاقم الأزمة هو أن هذا الانخفاض في الموارد تزامن مع سياسات عامة شجعت على زيادة الطلب على الماء، ما أدى إلى اتساع الفجوة بشكل كبير بين الاحتياجات الفعلية والموارد المتاحة.

وإضافة إلى ذلك، أكد المصدر ذاته أن التغير المناخي في الحالة المغربية كان عاملاً مسرعًا لتفاقم الأزمة وليس سببًا مباشرًا لها، بحيث تسهم موجات الحرارة الطويلة والمتكررة، والجفاف المتزايد، وارتفاع معدلات التبخر في زيادة الضغط الهائل على منظومة مائية تعاني أساسًا من ضعف بنيوي.

كما أبرز التقرير كذلك “فجوة الأداء بين الرؤية الاستراتيجية للدولة وبين التنفيذ على الأرض”، موضحا أن “الملك تبنى قضية الماء كأولوية وطنية”، من خلال ثلاثة محاور واضحة وهي تعميم الولوج إلى الماء الشروب خاصة في العالم القروي، دعم الإنتاجية الفلاحية عبر تحكم أفضل في الماء، والاستثمار في البنيات التحتية من سدود وتحويلات مائية”.

غير أن هذه الرؤية، حسب التقرير، تصطدم بحدود تنفيذية على مستوى الحكومة، “مما يخلق فجوة متنامية بين ما هو مُعلن وما هو محقق”.