تقرير: تأخر تنفيذ عقود البرامج يحد من أثرها في تقليص الفوارق بين الجهات

أفاد تقرير حديث أن تنفيذ عقود البرامج بين الدولة والجهات يواجه صعوبات هيكلية، حيث لم يتم إبرام سوى 50% من الاتفاقيات المقررة، وذلك بعد سنتين من دخول العقود حيز التنفيذ، رغم النص على إبرامها خلال ثلاثة أشهر، مبرزا أن هذا التأخر انعكس على الجدول الزمني للمشاريع ذات الأولوية، إذ لم تتجاوز نسبة الإنجاز 9% سنة 2024، في تناف مع الطابع الاستعجالي لهذه العقود.
وتعتبر عقود البرامج بين الدولة والجهات وسيلة حديثة لدعم مشروع الجهوية المتقدمة، لأنها تقوم على تنفيذ برامج مشتركة بين الطرفين وفق رؤية واضحة ومتفق عليها، وتهدف إلى جعل المشاريع المحلية منسجمة مع أولويات التنمية الوطنية، مع ضمان تعاون وتنسيق أفضل بين الدولة والجهات، لتصبح التنمية أكثر تنظيمًا وتكاملًا، وتستجيب في الوقت نفسه لحاجيات كل جهة ولأهداف البلاد ككل.
وأوضح التقرير الصادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن هذا الوضع يرتبط بتأخر مأسسة التعاقدات بين الدولة والجماعات الترابية، وتعقيد مساطر التأشير والرقابة الإدارية، وضعف الوعي بأهمية التعاقد لدى القطاعات الوزارية، مضيفا أن تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية وفقدان التنسيق الفعّال مع المجالس الجهوية ساهما أيضا في إبطاء سير هذه العقود.
وأشار التقرير تحت عنوان “الدولة والجهات: تعاقد ترابي من دون ضمانات”، إلى أن عقود البرامج، رغم رهانها على تقليص الفوارق بين الجهات، لم تنجح بالقدر المطلوب في الحد من التفاوتات المجالية، إذ استمرت الفجوة بين جهات نافعة تحقق نموًا سريعًا وأخرى غير نافعة تسجل مؤشرات تنموية ضعيفة، ما ينعكس سلبا على دورها القيادي في تنشيط التنمية بإطارها الترابي.
كما بيّن المصدر أن تنفيذ معظم المشاريع ينحصر في مراكز الجهات، فيما تحظى الأقاليم والعمالات الهامشية بنصيب محدود من هذه الاستثمارات، وهو التوجه الذي يهدد بإعادة إنتاج المركزية الجهوية، في تناقض مع أهداف الجهوية المتقدمة في تحقيق توزيع عادل للموارد والمشاريع.
وأضاف المصدر أن الإنفاق الاستثماري للجهات شهد ارتفاعًا ملحوظًا، حيث انتقل من 2.19 إلى 8.27 مليار درهم، مما ساهم في تعزيز مساهمة الجهات الضعيفة في الناتج المحلي الإجمالي، مثل العيون الساقية الحمراء والداخلة-وادي الذهب، إلا أن مساهمة الجهات في الاستثمار العام تظل محدودة، إذ لم تتجاوز 4% في 2022 مقارنة بـ1% في 2016، ما يستدعي إعادة توجيه عقود البرامج نحو مشاريع استثمارية تحقق الثروة.
من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن غياب إطار مرجعي واضح لحكامة هذه العقود قد يفتح المجال أمام تدخل السلطة المركزية في القرار الجهوي، مما يحد من استقلاليته، مستشهدا بالتجربة الفرنسية، حيث أدت آلية التعاقد إلى تعزيز سيطرة الدولة على حساب أولويات الجهات، مما خلق حالة من عدم اليقين في الحكامة الترابية.
وأكد التقرير أن معالجة هذه الاختلالات تتطلب تقوية الاستقلال الإداري والمالي للجهات، عبر منحها اختصاصات حصرية وتوسيع صلاحياتها الذاتية، إضافة إلى تسريع نقل الاختصاصات المشتركة وتدعيم مواردها المالية.
كما أوصى بالتأصيل التشريعي لمسار التعاقد بين الدولة والجهات، من خلال نص تنظيمي يحدد شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقود، مع تحديد أدوار ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة، وضمان إلزامية اتفاقيات الشراكة لمنع التخلي عن الالتزامات المالية.
إلى جانب ذلك، شدد التقرير على أهمية إشراك المجالس الجهوية فعليًا في صياغة العقود، لضمان توازن بين أولويات السياسات العمومية والخصوصيات الترابية، كما دعا إلى تأطير العلاقة التعاقدية بين الجهات وباقي الجماعات الترابية، على غرار التجربة الفرنسية التي اعتمدت صيغًا فرعية للعقود لتعزيز التنسيق المحلي.