تراجع إجبار القاصرات على الزواج.. دراسة ترصد تحولاً في ثقافة الزواج بالقرى المغربية

كشفت دراسة حديثة عن تحول في ثقافة الزواج في الوسط القروي بالمغرب، إذ لم يعد إجبار الفتيات على الزواج وسيلة معمولاً بها كما كان في السابق.
وركزت الدراسة الميدانية، التي نُشِرت في عدد شهر مارس 2025، لمجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل، على إقليم الرحامنة، حيث سجلت أن 44.5% من الفتيات القرويات القاصرات تزوجن اعتماداً على وسائل التواصل الاجتماعي أو الصدفة أو التعارف.
وقالت الدراسة التي نُشِرت تحت عنوان “زواج القاصرات في الوسط القروي المغربي: إرادة المجتمع وإكراه القانون”، إن هذا التحول يعتبر “دليلاً واضحاً على تغير ثقافة الزواج في الوسط القروي المغربي”، مشيرة إلى أن “وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها تأثير كبير على الثقافة المحلية وعلى مختلف جوانب الحياة”.
وفقاً للبيانات التي توصلت إليها الدراسة، تبين أن 44.4% من الفتيات القاصرات تزوجن عن طريق العائلة، بينما 16.7% منهن تزوجن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي نفس النسبة للفتيات اللواتي تزوجن من المعارف، بينما 11.1% منهن تزوجن عبر الصدفة أو من خلال الجيران.
وأوضحت الدراسة أنه إذا كان الزواج عبر وساطة العائلة أو الجيران يبدو أمراً عادياً ومتعارفاً عليه في الثقافة المغربية، فإن الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لـ 16.7% من الحالات المدروسة في إقليم الرحامنة “بات يحمل دلالات كثيرة”.

وأشار المشرفون على البحث الميداني إلى أن “عدداً كبيراً من القرويات في هذه الأرياف أصبح بإمكانهن اختيار شريك حياتهن بحرية”، مشيرين إلى أن هذا يشكل واقعاً اجتماعياً جديداً إذ “لم يعد إجبار الفتيات على الزواج وسيلة معمولاً بها”.
وأضاف الباحثون أن جميع آباء الفتيات اللواتي شملتهن الدراسة صرحوا بأن بناتهم اخترن الزواج والشريك بإرادتهن، مبرزين أن هذا المعطى يظهر أن “مجموعة من مضامين الموروث الثقافي المتعلقة بالزواج مثل الحشمة، والحياء والعيب، والاعتراف بالرغبة في الزواج، والإجهار به أمام الآباء والإخوة الذكور قد تراجعت”.
كما أشار الباحثون إلى أن نفس النسبة من الفتيات صرحت بأنهن تعرفن على أزواجهن لمدة لا تقل عن سنة قبل الزواج. كما أن العديد من الفتيات تعرفن على أزواجهن منذ مدة طويلة، وانتظرن حتى بلغن 17 عاماً لتقديم طلب الزواج الشرعي أمام القاضي.
وأوضحت الدراسة أن الخوف من العنوسة من بين العوامل التي تساهم في زواج القاصرات، مما يجعل الزواج المبكر “مشكلة متجذرة في المجتمعات القروية، تحكمها عوامل متعددة”. مبرزة في هذا السياق أن الانقطاع عن التمدرس يأتي في مقدمة العوامل المساهمة في الزواج المبكر، إذ أن 77.8% من الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن 18 عاماً لم يتجاوز تعليمهن المستوى الابتدائي.
الانقطاع عن الدراسة ليس العامل الوحيد المسبب، تضيف الدراسة، بل هناك عوامل أخرى مثل الرغبة في الاستقرار وتكوين أسرة بنسبة 38.8%، بالإضافة إلى الحب والرغبة في تحقيق الحرية بنسبة 16.7% لكل منهما.

كما سجلت أن 5.6% من الفتيات القاصرات لم يعرفن السبب الرئيس وراء زواجهن في سن مبكرة، وهو ما يُعتبر “خطراً كبيراً” على هذه الفئة، إذ قد يترتب على ذلك “مشاكل تهدد استقرارهن ومستقبلهن كزوجات أو مطلقات أو أمهات مطلقات”.
وأكدت الدراسة أن الزواج في سن مبكرة يظهر لهذه الفتيات وكأنه “السبيل للخلاص من المعاناة والرقابة الأسرية”، بل ويُنظر إليه على أنه “مفتاح للسعادة والحب والحرية”.
وأفاد البحث الميداني بأن 88.8% من الفتيات القاصرات أكدن أن زواجهن في سن مبكر هو الأول داخل أسرهن، في حين أن 11.1% من الأسر تقد سبق لها أن زوّجت بناتها في سن مبكرة. كما أكد أولياء هذه الأسر أن “نتائج زواج بناتهم كانت إيجابية، وأن حياتهن مع أزواجهن خالية من المشاكل”، مشيرين إلى أن “تقاليد منطقتهم تفرض عليهم تزويج بناتهم في سن مبكرة”.
وأظهرت الدراسة أيضاً أن 72.2% من الفتيات يعتقدن أن الفتاة التي لا تتزوج في سن مبكرة تعتبر “بايرة”، في حين أكدت 27.7% من الفتيات أن هذا المصطلح ليس ذا أهمية ولا يُعد العامل الرئيس وراء الزواج في سن مبكرة.
وفي الأخير خلصت الدراسة إلى أنه على الرغم من المبادرات القانونية والاجتماعية الهادفة إلى الحد من زواج القاصرات، “لا تزال هذه الظاهرة منتشرة في الوسط القروي”، إذ تستمر العوامل الثقافية والاقتصادية في تغذية استمرارها، حيث يُنظر إلى الزواج المبكر كـ”وسيلة لحماية سمعة الأسرة وتجنب وصمة عدم الزواج. كما أن الفقر والضائقة المالية يسهمان في استمرار هذه الظاهرة”.