تحقيق يكشف تفاصيل “مأساة مليلية” و”الدلائل” تدين المغرب وإسبانيا
كشف تحقيق حديث أنجزته منظمة Border Forensics عن تفاصيل جديدة تتعلق بـما عرف إعلاميا بـ”مأساة مليلية” التي حدثت سنة 2022 حينما حاول ما يقرب من 2000 مهاجر غير شرعي من إفريقيا جنوب الصحراء، دخول مدينة مليلية المحتلة، عبر الحاجز الأمني المزدوج، غير أن مواجهات عنيفة اندلعت بين هؤلاء المهاجرين وبين قوات الشرطة والأمن الإسبانية والمغربية، خلفت عسرات القتلى والعديد من الجرحى والمصابين.
وأكد التحقيق أن السلطات الأمنية الإسبانية والمغربية، انتهجت “سياسة عدائية متعمدة”، في مواجهتها مع المهاجرين.
وأدت هذه المواجهات وقتها إلى مقتل حوالي 27 شخصا، وفقدان أكثر من 60 آخرين.
وبعد مرور أكثر من سنتين على ما سُمي في الصحف المغربية والإسبانية، بـ”مأساة مليلية”، تواصل عدد من المنظمات الحقوقية مطالبتها مدريد والرباط، بتحمل مسؤوليتهما، وجبر ضرر الضحايا وأسرهم.
يوم دموي في الذاكرة الحدودية
ويقول التحقيق الذي أنجزته المنظمة السالفة الذكر بتعاون مع مركز إيريديا بإسبانيا، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن “السلطات المغربية اتخذت سلسلة من القرارات المصيرية التي أدت إلى وفاة العشرات من المهاجرين الذين حاولوا تسلق السياج الحدودي إلى مدينة مليلية المحتلة في شمال إفريقيا قبل عامين”.
ولقي ما لا يقل عن 27 مهاجرا وطالب لجوء حتفهم عندما حاول ما يصل إلى 2000 شخص تسلق السياج في 24 يونيو 2000، واصفة إياه بال”يوم الأكثر دموية في الذاكرة الحديثة على طول الحدود البرية للاتحاد الأوروبي مع أفريقيا” بينما لا يزال 70 آخرون في عداد المفقودين ومجهولي المصير.
وقالت منظمة العفو الدولية إن “الاستخدام الواسع النطاق للقوة غير القانونية” من قبل السلطات المغربية والإسبانية ساهم في الوفيات ووصف فريق خبراء تابع للأمم المتحدة الوفيات بأنها دليل على “الإقصاء العنصري والعنف المميت الذي تم نشره لإبعاد المنحدرين من أصل أفريقي وشرق أوسطي”.
دلائل وشهادات الناجين
وزعم التحقيق الذي يتضمن شهادات من الناجين وصور الأقمار الصناعية، إلا أن الأدلة تشير إلى أن “السلطات المغربية دفعت طالبي اللجوء إلى الحدود مع زيادة عسكرتها”.
وقال عشرات الناجين لـBorder Forensics إن مئات الأشخاص أجبروا على الانتقال إلى الجزء الجنوبي من جبل غوروغو – على بعد حوالي 6 كيلومترات من حاجز مليلية – بعد سلسلة من الهجمات التي شنتها السلطات المغربية في الأيام التي سبقت الوفيات على الحدود.
وقال أحد الناجين للمنظمة غير الحكومية: “بدأت الشرطة في مهاجمتنا وإلقاء الحجارة علينا لقد دمروا كل طعامنا ومياهنا – لقد فعلوا ذلك حتى نغادر”.
ويظهر تحليل صور الأقمار الاصطناعية أنه في الأيام السابقة ل 24 من يونيو 2022، زيادة في عدد القوات في عدة مناطق على طول الحدود، فضلا عن بناء خندق إضافي على الجانب المغربي من السياج.
وتابع المتحدث قائلا “جاءت الشرطة من كلا الجانبين من أجل دفعنا في نفس الاتجاه ولم نتمكن من الذهاب إلى أي مكان، إلا باتجاه السياج وحينما تجمعنا هناك، بدأوا في إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع علينا”. يضيف التحقيق
يوم الـ24 يونيو
وبدأت أحداث 24 يونيو 2022 في الصباح الباكر مع تزايد عدد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين شقوا طريقهم إلى السياج وتزعم روايات الشهود أن السلطات لجأت إلى أساليب عدوانية، بما في ذلك إلقاء الحجارة وإطلاق الرصاص المطاطي على المهاجرين.
وتشير تقارير من منظمة التحقيق Lighthouse Reports إلى أنه تم نشر ما لا يقل عن 20 عبوة غاز داخل المنطقة. وسط الفوضى والغاز المسيل للدموع الذي “ترك الناس يختنقون ويعانون من انعدام الرؤية، اندفع الأفراد نحو الجانب الإسباني من نقطة التفتيش. حيث تعثر البعض وسقطوا بينما اندفع آخرون إلى الأمام”.
وشدد التحقيق على أن الذين تمكنوا من العبور تعرضوا لمعاملة لا “إنسانية ومهينة”، من طرف السلطات الإسبانية إلى جانب إعادتهم إلى المغرب، على الرغم من علمهم أنهم بمجرد وصولهم، سيتعرضون لعنف شديد”، كما ينبه التحقيق، إلى أنه “على الرغم من أن معظم وفيات المهاجرين حدثت أثناء وجودهم على السياج الحدودي، إلا أنها “كلها حدثت في الأراضي الإسبانية”، حسب تعبير المصدر.
سلطات البلدين تنفي
وفي تناولها للتحقيق نقلت صحيفة “الغارديان” عن متحدث باسم وزارة الداخلية الإسبانية قوله بأن “المدعين العامين حققوا في “الأحداث المأساوية” التي وقعت في مليلية قبل عامين وقرروا أنه لم يكن هناك إهمال أو انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل ضباط الحرس المدني الإسباني في ذلك اليوم”.
وفي تعليقات سابقة لوزير الداخلية، فرناندو غراندي مارلاسكا، أصر دائما على أن الضباط تصرفوا “بشكل قانوني ومتناسب وباحترام مطلق لحقوق الإنسان”. وقال مارلاسكا أيضا إنه لم تكن هناك خسائر في الأرواح على الأراضي الإسبانية.
ووفقا للصحيفة ذاتها كان المغرب قد قال في وقت سابق إن عناصر الأمنية تصرفت “بمستوى عال من السيطرة والمهنية”، وقال إن بعض الذين هرعوا إلى السياج كانوا مسلحين بالعصي والحجارة والسكاكين وبعض الآلات الحادة.
واعترفت السلطات المغربية بمقتل 23 شخصا، لكن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبر فرعها في مدينة الناظور، أحصت ما لا يقل عن 27 شخصا قتيلا ذلك اليوم، فيما لا يزال أكثر من 70 شخصا آخرين في عداد المفقودين، إلى حدود الساعة.
وخلص التحقيق إياه، إلى أن الأدلة الجديدة التي تضمنها، “لا تُدين السلطات المغربية والإسبانية فحسب، بل أيضا الاتحاد الأوروبي”، مطالبةً بـ”محاسبة” المسؤولين عن هذه المأساة، والاستجابة لمطالب معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة إنصافا للضحايا وعائلاتهم.