بوعيدة: وجود قضايا فساد داخل الجامعات لا يبرر التعميم

أعرب النائب البرلماني والأستاذ الجامعي عبد الريحيم بوعيدة عن حزن من الوضع الذي آلت إليه صورة الأستاذ الجامعي في المغرب، مشيراً إلى أن هذه الصفة باتت اليوم تعاني من تنميط اجتماعي سلبي وتمثّلات مشوّهة تُحمّل الأستاذ مسؤولية فساد ممنهج، وصفه بـ”التعميم المفضوح”.
وقال بوعيدة، خلال حلوله ضيفاً على برنامج “صفاف فنجان” الذي تبثه صحيفة “صوت المغرب”، إنه يشعر بالحزن لأول مرة تجاه ما يُنسب إلى أكثر من 13,000 أستاذ جامعي، متسائلاً بمرارة: “من يحمل معاول الهدم لهذا الوطن؟ من يريد أن يجعل البياض سواداً؟ ومن يسعى لإطفاء الأمل في الحاضر والمستقبل؟”
ويرى بوعيدة، الذي قضى أكثر من أربعين سنة في رحاب الجامعة، طالباً ثم أستاذاً، أن اعتبار الأساتذة جميعاً مفسدين هو “أمر خطير، لا يخدم سوى ضرب الجامعة”، مضيفاً أن من يهدم الجامعة يهدم القدوات والمستقبل.
وفي حديثه عن مسار حياته، استرجع بوعيدة مشوار الجيل الذي ينتمي إليه، واصفاً إياه بالجيل الذي نشأ في ظروف قاسية، درس في المدرسة العمومية، بملابس وأحذية مهترئة، دون امتيازات، وتعلّم اللغات والثقافة بالمجهود الذاتي. وأردف: “عشنا على أنغام أم كلثوم، وناس الغيوان، وقرأنا نجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا والجابري. هذا هو الرصيد الثقافي الذي بنينا عليه”.
وتابع بوعيدة: “اليوم، يأتي من يشكك في كل هذا البناء الذي أنجزته أجيال من الأساتذة، أجيال قاومت بالكرامة، وعاشت بالكفاف والعفاف، وغنى النفس. نحن من هؤلاء، ولسنا ملائكة، لكننا لسنا أيضاً كما يُصوَّر اليوم”.
وأضاف أن الجامعة كانت قوية يوم كان المجتمع قويّاً، وتراجعت قوتها حين انهار المجتمع وتفشى فيه الفساد والزبونية، مشيراً إلى أن “تحويل الجامعة إلى مسرح للإصلاحات المتعاقبة، وملحقة إدارية خاوية من المضمون، هو ما أفرغها من رسالتها التربوية والعلمية”.
وقال: “أنا ابن الجامعة وأعرفها جيداً. نعم، هناك فساد داخل الجامعة، لكن كما هو موجود في قطاعات أخرى، ولا يمكن تعميمه.”
وبخصوص القضايا المثارة حول بيع الشهادات العليا، أكد بوعيدة احترامه للقضاء ودوره في معاقبة المخالفين، مشدداً على أهمية البحث عن الخلل ومسبباته الحقيقية، دون أن يتحول النقاش إلى اتهامات شاملة وجائرة.
وحذّر من خطورة التعميم، معتبراً أنه “ليس من حق أحد أن يُدين الجميع بسبب حالة أو حالتين، مشيداً في الوقت ذاته بالشرفاء من الأساتذة الذين يضحون من أجل أبناء هذا الشعب، وخرجت على أيديهم أجيال تقلدت مناصب المسؤولية داخل الدولة”.
وأضاف: “أنا أشرف على ماستر منذ 2013، وتخرج منه أطر أفتخر بهم، لم يشتروا شيئاً، ولم يُبع لهم شيء”.
وأكد بوعيدة أن الاعتراف بوجود الفساد لا يعني تعميمه، مطالباً بالالتزام بثقافة التبليغ وعدم التستر على التجاوزات، لكن دون المساس بسمعة الجامعة أو كرامة أساتذتها.
وشدد على أن المجتمع في حاجة إلى عودة سلطة العقل، حتى في النقد. وقال “لقد فقدنا هذه السلطة داخل العديد من المجالات”.
وأضاف أن “المشكل الحقيقي هو غياب الوازع الأخلاقي لدى أفراد معينين”، معتبراً أن “كل شيء أصبح يُقاس بالمال بالنسبة إليهم، كما أن المظاهر طغت على القيم”.
وشدد على ضرورة التعامل مع قضايا الفساد بميزان العدالة، والقطع مع الانتقائية، مضيفاً: “لدينا فساد يمكن أن يبني 100 جامعة و100 مستشفى، ولا يتم فتح أي نقاش بشأنه، بينما تُعلّق المشانق بحق الجامعة”
وطالب الأستاذ الجامعي بإنصاف الجامعة المغربية، وتوسيع انتشارها لتشمل كل مدينة، حتى يجد أبناء الشعب مكاناً يليق بطموحاتهم في العلم والمعرفة، بدل تحويل الجامعة إلى مشجب يعلّق عليه كل الفشل.