بوز: النويضي مات ولم يُنْهِ مرافعته الأخيرة دفاعا عن حرية التعبير
قال أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي إن “الفقيد عبد العزيز النويضي مات ولم ينه مرافعته الأخيرة دفاعا عن حرية التعبير”.
جاء ذلك، في شهادة عن الراحل عبد العزيز النويضي قدمها أحمد بوز لصحيفة “صوت المغرب”.
علاقة تعود لأزيد من 30 سنة
في هذه الشهادة عاد أحمد بوز بذاكرته إلى بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث تعرف على الأستاذ عبد العزيز النويضي.
وقال بوز” تعود معرفتي بالأستاذ عبد العزيز النويضي إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كنت وقتئذ طالبا في القطاع الطلابي الاتحادي بمدينة فاس، بينما كان هو أستاذا بقطاع أساتذة التعليم العالي بحزب الاتحاد الاشتراكي بنفس المدينة” وأضاف “تعمقت هذه العلاقة أكثر لما انتقلنا معا إلى الرباط، أنا بحكم متابعتي لدراستي الجامعية العليا، وهو من أجل استكمال مهمته في التدريس كأستاذ للقانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، وأيضا بحكم اهتماماته النقابية والسياسية والحقوقية، سواء ك”مستشار نقابي”، إن جاز هذا التوصيف، في مرحلة معينة للمرحوم نوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أو كمستشار مكلف بحقوق الإنسان بجانب المرحوم عبد الرحمان اليوسفي منذ أن عين وزيرا أول سنة 1998، وأيضا كمسؤول بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ثم كرئيس مؤسس لجمعية عدالة”
وتابع” كان المرحوم النويضي يحتفظ بعلاقات قوية مع الأستاذ محمد الساسي، ومن خلاله بأسبوعية “النشرة” وبـ”الشبيبة الاتحادية” وبعد ذلك “تيار الوفاء للديمقراطية”، حتى أنه كثيرا ما كان منخرطا في اختياراتنا وتوجهاتنا وأنشطتنا المختلفة، دون أن تمنعه بعض المسؤوليات التي شغلها من أن يكون بجانبنا في اللحظات التي نحتاجه فيها. وهذا ساهم هو الآخر في جعل الارتباط قويا بيننا”
واسترسل قائلا:” وقد زادت هذه العلاقة توطدا في سياق عملي كصحافي بـ”الصحيفة الأسبوعية” ثم “الصحيفة المغربية”، حيث كثيرا ما حاورته واستجوبته أو اتصلت به من أجل الحصول على تصريح أو توضيح حول هذه القضية أو تلك، حتى أنه كان يحدث أن نسهر في بعض الأحيان الليالي بمنزله السابق بحي الرياض من أجل تحضير ملف يتصل بملف حقوقي كنا نعده للنشر بـ”الصحيفة”، بل إن عمله معنا في هذا الإطار تجاوز حدود المساهمات المناسباتية التي كنا نطلب فيها تدخله في هذا الملف أو ذاك، لكي يصبح أحد كتاب عمود “زاوية اليوم”، الذي كان يتناوب على كتابته خلال فترة الإصدار اليومي عدد من الأقلام، أستحضر منها على وجه الخصوص عبد الرحيم تافنوت، والمعطي منجب، ومحمد الساسي، حسن طارق، والمرحوم مصطفى المسناوي”
مسار حافل بالأفكار
وأوضح بوز أنه” طيلة كل هذه المدة التي عرف فيها الأستاذ النويضي وجاوره خلالها، سواء كمناضل سياسي وحقوقي أو كأستاذ جامعي أو كمحام أيضا، احتفظ له بأنه كان طاقة كبيرة للعمل، ومعينا لا ينضب من الأفكار والاقتراحات والمبادرات”.
وأضاف” لا يلتقيك أو يتصل بك أو يتحدث معك إلا ويتكلم لك عن فكرة أو مشروع أو مبادرة قيد الإنجاز أو يجري التحضير لإطلاقها، وانه يفكر فيك لكي تكون أحد صناعها”.
وزاد” أتذكر في هذا الإطار أن آخر مشروع اشتركنا في إنجازه قبل سنة ونصف تقريبا، وصدر في شكل كتاب جماعي، كان فريدا من نوعه، أولا من حيث طبيعة الجهة التي أطرته، إذ لم نعتد أن يكون لشركة المدنية للمحاماة (شركة مؤازرة) هذا الاهتمام بالطابع البحثي والتكويني، وثانيا من حيث طبيعة الموضوع الذي انصب حوله، إذ انشغل الراحل في خلال السنوات الأخيرة بكيفية كبيرة بموضوع الدفع بعدم الدستورية، وجعل موضوع دراسة “القوانين المشوبة بشبهة عدم الدستورية” ضمن أولويات اهتمامه في هذا الإطار، من منطلق إدراكه أهمية الرفع من مستوى وعي الحقوقيين والمحامين والقضاء في هذا المجال، وتحضيرهم لمرحلة دخول هذه الآلية التي جاء بها دستور 2011 حيز التنفيذ”
ونبه بوز أن عمل عمل الأستاذ النويضي لم ينحصر في هذا الجانب الميداني الحركي، بل عمل أيضا على مزاوجته بما هو نظري. مضيفا أنه كما اشتغل ميدانيا على ملفات عدة، وانخرط في مبادرات عدة، وكان مبادرا لإطلاق الكثير منها، كان أيضا منظرا في مجالات عدة. كتب عن “الحق في التنمية بين القانون الدولي والعلاقات الدولية”، و”المجلس الدستوري في المغرب”، و”الدليل العملي في قضايا القذف”، و”القانون الدستوري”، و”القضاء والصحافة”، والمحاكمة العادلة، و”المحكمة الدستورية مسألة الدفع بعدم الدستورية”، بل إن قدرته على إبداع الأفكار وانخراطه في هواجس الإصلاح السياسي والدستوري دفعاه في منتصف الألفية الثالثة إلى كتابة “مشروع دستور” يقعد فيه لما يعتبره “الدستور الذي نريد”، أي الدستور الدمقراطي الذي كان جزءا من انشغالات الأستاذ النويضي، سواء في إطار عمله السياسي أو الحقوقي.
صديق الصحافيين ورفيق الحقوقيين
وفي سياق عمله الحقوقي والجامعي والسياسي، يؤكد بوز، احتفظ المرحوم النويضي بعلاقات واسعة مع فئات متنوعة ومتعددة من الناس، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
وأضاف “كان صديقا كبيرا للصحافيين، ورفيقا دائما للحقوقيين، وبصفة عامة لكل من يشعرون بأنهم تعرضوا لانتهاكات، كحقوقي أولا ثم كمحام ثانيا. ولم يكن يتردد في الدفاع عنهم، حيث كان مكتبه، كمسؤول حقوقي أو كمحام، مفتوحا للجميع، ومهيأ في كل لحظة استعدادا “لطوارئ حقوقية” أو لاحتضان اجتماع يهم مبادرة من المبادرات التي تندرج في هذا الإطار. ولم يكن اسمه يغيب عن مبادرات التضامن التي تتم في هذا الإطار أو ذلك، وتتخذ إما شكل بيانات أو عرائض أو وقفات احتجاجية”
ولفت المتحدث أنه لم يكن لهذا المسار أن يكون طريقه مفروشا بالورود، فقد واجهته بعض المصاعب، ولم ترحمه بعض وسائل الإعلام في لحظات يحتاج فيها الإنسان إلى التآزر، لكنه كان يظهر قدرة كبيرة على التحمل وعلى أن يستمر واقفا. قبل أن يظهر أن لهذا التحمل حدودا، إذ سرعان ما خانه قلبه في آخر لحظة، ولم يمهله لكي ينهي مرافعته الأخيرة هذه المرة، دفاعا عن الحق في حرية التعبير، الذي كرس له أغلب مراحل حياته.
وتابع ” تأثرت أيما تأثر لما علمت أن “الحوار الاخير” هذا كان أول سؤال طرح فيه على الأستاذ النويضي للإجابة عنه يتعلق بكتاب “اليوسفي كما عشناه”، الذي كتبته بالاشتراك مع الأستاذ محمد حفيظ، حيث مات دون أن يكتب لنا أن نوضح له رأينا فيما خطه عنه في “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها”، ولكي نقول له إن الاختلاف في تقييم تجربة الراحل عبد الرحمان اليوسفي لا يفسد للود قضية، وإننا سنظل دائما نحتفظ بمسارات وذكريات ومحطات جميلة جمعتنا”، قبل أن يختم شهادته بالقول: “نم قرير العين، وأصدق العزاء لزوجتك وابنيك وكل أفراد عائلتك البيولوجية والسياسية. وانا لله وانا اليه راجعون”.