story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

بنعليلو: التقديرات الجزافية تمنح وهماً بالإنجاز وتخلق مزايدات على المواطن

ص ص


اعتبر رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بنعليلو، إن ما وصفه بـ”التقديرات الجزافية” في السياسات العمومية “يمنح وهماً بالإنجاز”، مشيراً إلى أنها “تخلق مزايدات على المواطن أكثر مما تقدم حلولاً”.

وتحدث بنعليلو، خلال افتتاح اللقاء الدراسي “حول تقييم أثر سياسات مكافحة الفساد”، الذي يتواصل ليوم الثلاثاء 25 نونبر 2025، عن انطلاق مرحلة جديدة من مراحل التفكير العمومي حول النزاهة ومكافحة الفساد.

وأوضح أن هذه المرحلة تجاوز بداهة القول بأن “لدينا سياسات” نحو سؤال “أكثر تعقيدا وأعمق مسؤولية: ماذا أحدثت هذه السياسات في المجتمع؟ وما الأثر الحقيقي الذي صنعته؟”

ويرى بنعليلو أن المغرب راكم منذ سنوات إصلاحات ومبادرات متعددة في مجال النزاهة. إلا أن الزمن السياسي والمؤسساتي اليوم “يفرض الانتقال من رصد الجهود إلى قياس النتائج، ومن الحديث عن البرامج إلى مساءلة أثرها، ومن التركيز على ‘ما قمنا به’ إلى التركيز على ما تغير فعلا في الواقع”.

وقال: “لقد اعتدنا، لزمن طويل، التعامل مع السياسات العمومية بمنطق التقديرات العامة والجزافية، والاشتغال وفق مؤشرات شكلية تقليدية تتكرر دون أن يرافقها تحليل لما يحدث فعلا في الميدان”، مضيفاً أن عدداً من هذه التقديرات “قد يمنح وهماً بالإنجاز، لكنها تخلق في العمق مزايدات على المواطن أكثر مما تقدم له حلولاً”.

ويشير إلى أن طرح الهيئة لمشروع دليل وطني لتقييم الأثر، على طاولة الحوار العمومي، “هو في جوهره رغبة جادة للقطع مع هذه المقاربات الانطباعية، ولتأسيس ثقافة جديدة قوامها الحساب الممنهج والتقييم الموضوعي المبني على الأدلة”.

وأضاف: “في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والمؤسساتية، لم يعد يكفي أن ننجز أو ننفذ، بل أصبح لزاماً علينا أن نقيس وأن نشرح وأن نثبت للمواطن أن الموارد العمومية تترجم إلى نتائج ملموسة في حياته اليومية”.

وأبرز أن الهيئة تسعى من خلال مشروع الدليل الوطني لتقييم الأثر إلى “القطع مع النمط التقليدي في التقييم” عبر اعتماد منهجية تجعل الأثر الحقيقي وحده معياراً للنجاح، قائلاً: “الأثر ليس رقماً يُدوَّن في التقارير، بل هو تحول في السلوك، وتغيير في الممارسات، وانخفاض في كلفة الفساد، وارتفاع في منسوب الثقة العامة، وتحسين في جودة الخدمات العمومية”.

وأوضح أن ينتظر يشكل مشروع الدليل الذي تم طرحه للنقاش قطيعة مع النمط التقليدي في التقييم، وأن يؤسس لمنهجية متقدمة تجعل الأثر الحقيقي وحده معيارا للنجاح.

وذكر أن الأثر “ليس رقما يدون في التقارير الوصفية”، مشيراً إلى أن هناك “تحول في السلوك، وتغيير في الممارسات، وانخفاض في كلفة الفساد، وارتفاع في منسوب الثقة العامة، وتحسين في جودة الخدمات العمومية”.

وأكد بنعليلو أن مشروع الدليل، الذي تم إعداده بشراكة مع مجلس أوروبا، يشكل “أول مرجع وطني متكامل في مجال تقييم أثر سياسات مكافحة الفساد ينضبط لمنهجية علمية متقدمة وبكفاية تتوافق مع المعايير الأوروبية، وقائماً على أسس علمية صلبة، لا على تأويلات ظرفية واجتهادات فردية”.

وأوضح أن الدليل يستند إلى مفاهيم حديثة مثل نظرية التغيير، سلاسل القيم والنتائج، التمييز بين التتبع الإداري والتقييم الفعلي للأثر، التقييم المبني على الأدلة، والاستخدام المهني للمعطيات والمنصات الرقمية، مضيفاً: “أنه مشروع ببعد استراتيجي يسعى إلى مراقبة السياسات عبر تفكيك منطقها الداخلي: كيف تتشكل؟ كيف تعمل؟ أين تتوقف؟ وكيف يمكن إعادة بنائها لضمان أثر واضح ومقنع؟”.

وأضاف: “نبني اليوم اللبنة الأولى في هيكل نظرية تغيير وطنية في مجال مكافحة الفساد، تربط بين المدخلات والعمليات والنتائج والآثار بعيدة المدى، بما يسمح بتوجيه السياسات نحو ما يحدث فرقاً، وليس نحو ما يملأ الفراغ المؤسساتي”.

وأكد أن الدليل ليس وثيقة مغلقة، بل “مشروع مفتوح للتطوير الجماعي”، يتيح للفاعلين العموميين امتلاك أدوات علمية لقياس فعالية السياسات، ويجعل من التقييم “مساراً مؤسسياً مستداماً، لا مجرد مرحلة إدارية محدودة في الزمن”.

وشدد المتحدث على أن المغرب، بتوجيهات ملكية، قطع خطوات مهمة في بناء منظومة وطنية للنزاهة، لكن تعزيز هذه المكتسبات “يفرض الارتقاء بآليات التقييم إلى مستوى استراتيجي متقدم يجعل من المعطيات مؤشراً موجهاً للقرار العمومي، ومن الأثر معياراً للحكم على جدوى السياسات”.

وقال: “إن القيمة المضافة الحقيقية لهذا التحول تكمن في إعادة تعريف معنى النجاح”، لافتا إلى أن “النجاح لم يعد يقاس بعدد النصوص أو تعدد الهيئات، بل بقدر ما يلمسه المواطن من تغيير في محيطه الإداري والاقتصادي والاجتماعي، وبمدى تراجع الممارسات الفاسدة، وبمنسوب الثقة في المؤسسات”.

وأبرز أن المملكة بصدد بناء منظومة تمنح للمواطن “حقاً جديداً هو الحق في معرفة أثر السياسات التي تتخذ باسمه”، معتبراً ذلك “نقلة من منطق الدولة التي تتطور فقط إلى منطق الدولة التي تُحدث بتطورها تغييراً إيجابياً في حياة مواطنيها”.

وختم قائلاً: “إن مشروع الدليل أكثر من مجرد وثيقة، إنه بذرة تحول ثقافي ومؤسساتي، إذا أحسنا احتضانها ستدخل بلادنا إلى جيل جديد من الحكامة يقوم على الأدلة لا على الانطباعات، وعلى الأثر لا على الجهود، وعلى الصدقية لا على المزايدات”، موجهاً الشكر لمجلس أوروبا وسفارة سويسرا والخبراء والمؤسسات الوطنية المشاركة في هذا الورش الجماعي.