بعد زيارة زوما للمغرب.. بريتوريا تحتج لدى الرباط على استخدام علم جنوب إفريقيا

طالبت جنوب إفريقيا المغرب بعدم استخدام علمها الوطني في اجتماعات مع جهات غير حكومية، معتبرة أن رفعه خلال لقاء زعبم سياسي معارض يُعد “تجاوزًا للأعراف والبروتوكولات المعمول بها”.
وقالت وزارة العلاقات الدولية والتعاون بجنوب إفريقيا، في بلاغ نُشر على موقعها الرسمي، إنها تُعبر عن “اعتراضها الشديد وقلقها إزاء الظروف التي أحاطت بالزيارة الأخيرة لأحد القيادات البارزة من جنوب إفريقيا إلى المملكة المغربية”، في إشارة إلى الرئيس الأسبق جاكوب زوما، الذي يشغل حاليًا منصب زعيم حزب “أومكونتو وي سيزوي”.
وأدانت الوزارة استخدام العلم الوطني لجنوب إفريقيا خلال اللقاء الذي جمع زوما بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في العاصمة الرباط بتاريخ 15 يوليوز 2025.
وأوضحت بريتوريا أنه، رغم اعتراف جنوب إفريقيا بحق المغرب السيادي في دعوة الأفراد والمجموعات، فإنها “تُعبر، باسم حكومة جمهورية جنوب إفريقيا، عن احتجاجها الشديد على استخدام الرموز الوطنية الرسمية”.
وأشارت الوزارة إلى أن جنوب إفريقيا أبلغت المملكة المغربية بأن عرض الرموز الوطنية “يوحي بطبيعة رسمية ويمثل ضمنياً تأييد الدولة، مما يعطي الانطباع بأن الاجتماع يرقى إلى مستوى تواصل رسمي بين دولتين”.
واعتبرت أن ذلك “يتنافى مع الأعراف والممارسات الدبلوماسية المعتمدة، نظرًا لكون المشاركين لا يمثلون المواقف أو المهام الرسمية لحكومة جنوب إفريقيا”.
وشددت على أن الاجتماع بين زوما وبوريطة “لا يمكن الاعتراف به كاجتماع رسمي ثنائي”، وأكدت “رفض أي استنتاجات أو تأويلات تُبنى على هذا اللقاء بشكل قاطع”.
كما جدّدت بريتوريا تأكيدها على أن حكومة جنوب إفريقيا تعتبر استخدام رموزها الوطنية في سياقات توحي بدعم رسمي من الدولة لجهات غير حكومية “أمرًا غير لائق، بغض النظر عن السياق أو النوايا”.
ودعت الحكومة الجنوب إفريقية نظيرتها المغربية إلى “الامتناع عن مثل هذه الممارسات مستقبلًا”، حرصًا على تعزيز العلاقات الثنائية الودية، والالتزام بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الاحترام المتبادل بين الدول ذات السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
واختتم البلاغ بالتشديد على أن احترام هذه المبادئ يُعد شرطًا أساسيًا لتطوير علاقات إيجابية ومستدامة بين البلدين.
ويأتي هذا الموقف الرسمي بعد دعوة وجهها “المؤتمر الوطني الإفريقي”، الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، إلى وزارة العلاقات الدولية والتعاون لتقديم احتجاج دبلوماسي رسمي، ومطالبة السلطات المغربية بـ”تفسير واعتذار فوري” بشأن ما حدث.
واعتبر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، والرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، “محاولة خطيرة” لنزع الشرعية عن النظام الحالي.
وأوضح الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا موقفه، عبر بيان نشره على حسابه الرسمي بموقع إكس (تويتر سابقاً)، بأن اللقاء الثنائي الذي اعتبره “استفزازاً وتدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية”، تم مع شخصية معارضة لا تمثل الحكومة المنتخبة، مع استخدام العلم الوطني لجنوب إفريقيا.
وقال الحزب الجنوب إفريقي إن إدراج الرموز الوطنية في أنشطة حزبية “تنظمها قوى أجنبية هو أمر مضلل، ويمثل جزءاً من أجندة أوسع للتدخل الأجنبي”، معرباً عن استنكاره لموقف زوما الداعم لمغربية الصحراء، معتبراً إياه “خيانة”.
وقال: “ندين انخراط جاكوب زوما الانتهازي، والذي اصطف مع جهود تقوض مكانة جنوب إفريقيا في المجتمع الدولي وتخون المبادئ التي ادعى يوماً الدفاع عنها، كعدم الانحياز، والسلام، والتضامن المناهض للاستعمار”. وأضاف: “من المخزي أن يخون زعيم سابق لحركة تحرير، مهمتنا التاريخية”. وختم الحزب بيانه بتأكيده مواصلة دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وتعزيز الروابط معها.
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية خالد الشيات، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” أن موقف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه “لم يكن معادياً من قبل للوحدة الترابية للمغرب”، خاصة في عهد مؤسسيه ومناضليه الأوائل، حتى أن الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا “رفض أن يكون موقف جنوب إفريقيا عدائياً تجاه المغرب طيلة فترة رئاسته”.
ونبه الشيات إلى أن الموقف الحالي للمؤتمر الوطني الإفريقي “لا يُمثّل توجهاً مبدئياً”، معتبراً إياه “موقفاً ظرفياً يرتبط بحسابات مصلحية وعلاقات سياسية مرحلية، خاصة مع الجزائر”، كما أنه “لا يُعبر عن قناعة ثابتة أو موقف مبدئي أصيل”.
وفي المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة أن موقف حزب الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما “تعبيراً طبيعياً وعادلاً عن دعم مغربية الصحراء، في سياق تراكمي من الانتصارات السياسية والمواقف الدولية التي تُساند مبادرة الحكم الذاتي”، التي طرحها الملك محمد السادس سنة 2007، “كحل واقعي وجاد” لهذا النزاع الإقليمي.
وعدّ زيارته للمغرب “تتويجاً لموقف يُعبّر عنه فاعل بارز في الحياة السياسية بجنوب إفريقيا، ومنافس قوي لحزب ‘المؤتمر الوطني الإفريقي’، الذي كان زوما من أبرز رموزه سابقاً”.
وتكمن أهمية هذا الموقف من حيث الرمزية، بحسب الشيات، في كونه تأكيداً على أن حزب “أومكونتو وي سيزوي” منفذ من المنافذ المساندة للمغرب على المستوى السياسي في جنوب إفريقيا، وهو “ما يضحد فكرة ‘الإجماع’ الجنوب إفريقي ضد مغربية الصحراء”، إذ أن هناك “منافذ تبرز من خلال أحزاب سياسية تتبنى مواقف مختلفة عن الحكومة الحالية، وهذا الحزب أحد هذه التوجهات”.
كما يُعد حزب “أومكونتو وي سيزوي” منافساً قوياً للمؤتمر الوطني الإفريقي في الانتخابات، “خاصة في ظل التراجع المستمر على مستوى شعبية هذا الأخير، دورة انتخابية بعد أخرى”. بحيث أن الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لحكوماته “لا تجد تطبيقاً ناجحاً على أرض الواقع، مما أضعف نفوذه السياسي رغم محاولاته المستمرة للارتكاز على الرمزية التاريخية”، باعتباره حزب نيلسون مانديلا.
وأوضح الشيات أن هذا الخطاب أصبح يُنظر إليه على أنه “خطاب ديماغوجي لم يعد يجدي على مستوى الانتخابات”. وأشار إلى أن هناك مؤشرات قوية “تُظهر إمكانية فوز حزب زوما في الانتخابات المقبلة، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء المغربية”.