بعد جفافها لأزيد من نصف قرن.. انبعاث بحيرة تاريخية في قلب صحراء المغرب
بقدر ما خلفت الفيضانات الأخيرة من أضرار وخسائر في أقاليم الجنوب الشرقي للمملكة، بقدر ما حملت معها بشائر خير للمنطقة، التي ظلت تعاني لسنوات عديدة من أزمة جفاف مستمرة منذ 10 سنوات، غير أنه لم يكن يُتوقع أن تسهم تساقطات بداية شتنبر الجاري في “انبعاث” بحيرة -بين إقليمي زاكورة وطاطا- وعودتها للحياة، بعد ما يزيد عن نصف قرن من اختفائها نتيجة عوامل بيئية ومناخية قاسية عاشتها المنطقة.
“معجزة مائية في عمق الصحراء المغربية”، هكذا وصف عادل مومن الباحث في الجغرافيا بجامعة ابن طفيل، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، ما شاهده خلال زيارة ميدانية لبحيرة “إريقي” ضمن فريق بحثي في مهمة استكشافية لتأكيد امتلاء البحيرة المذكورة بالماء بفضل التساقطات الغزيرة الأخيرة.
بدأت رحلة الفريق بينما كان يقوم بتحليل صور تعود للقمر الصناعي “سنتينيل”، لمعاينة تأثير التساقطات الأخيرة على إقليم زاكورة، حيث اكتشف تجمعات مائية غير مألوفة بين منطقتي “محاميد الغزلان” التابعة للإقليم و”فم زكيد” التابعة لطاطا، ليتبين بعد شد الفريق رحاله إلى المكان أن بحيرة “إريقي” التاريخية عادت للحياة مجدداً.
يقول مومن: “كنا نتوقع قبل وصولنا أن نجد بحيرة صغيرة، لكننا فوجئنا بمحيطٍ من المياه لا يحده مد البصر”.
ويضيف المتحدث ذاته أن البحيرة “اختفت قبل أزيد من 60 عاماً نتيجة عوامل التصحر ونذرة التساقطات وزحف الرمال التي أغلقت مسارات أودية كانت تصب فيها”، مشيراً إلى أنه حتى نهر درعة الذي كان يعد أحد روافدها “ويمر بها أحياناً تغير مساره ما أسفر عن جفافها بشكل نهائي”.
ويوضح عادل مومن الباحث بسلك الدكتوراه شعبة الجغرافيا في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة أن “امتلاء البحيرة في ظاهرة ناذرة”، هو نتيجة انحدار الماء إليها من السفح الجنوبي لجبال باني أي من الجهة الشمالية للبحيرة، وذلك بعد “كمية تساقطات أمطار هائلة بلغت 200 ملم في إقليم زاكورة حسب وكالة “لانسا”، لافتاً إلى أن بحيرة “إريقي” الحالية تشكلت بطول يبلغ 9 كلم تقريباً بينما يعادل عرضها 4 كلم، كما تشكلت بالقرب بحيرة أخرى أصغر منها بطول 3 كلم وعرض 1 كلم.
تنعش التنوع البيولوجي
تكتسي بحيرة إريقي التي يحمل المنتزه الوطني بالمنطقة اسمها أهمية بيئية، حيث أنها مصنفة منذ 1994 موقعاً ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية، كما كانت تعد قبل سنوات محطة رئيسية لطائر النحام (الفلامنغو) الذي يمكث فيها طويلاً من أجل التكاثر، حسب عادل مومن، لافتاً إلى أنه من شأن عودة مياه البحيرة أن يسهم في إنعاش طريق هجرة هذه الطيور وغيرها من الأصناف المهاجرة بين الشمال والجنوب.
هذا وستجد فيها العديدُ من الحيوانات الصحراوية المنقرضة التي يُعاد إدماجها في المنطقة موقعاً حيوياً تعيش حوله وتتكاثر، من قبيل المها والظبي اللولبي القرون والنّعامة ذات العنق الأحمر، كما ستستفيد منها مواشي رحل محاميد الغزلان من جِمال وماعز كون أن مياه البحيرة عذبة حسب ما أكدته التحاليل المخبرية التي أجراها الفريق البحثي خلال رحلته الاستكشافية على عينة منها، فضلاً عن مساهمتها في عودة العديد من الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي ستجد فيها وسطاً طبيعياً ملائماً للتكاثر ما يعزز التنوع البيولوجي في المنتزه الذي يتسع لمساحة 123 ألف هكتار.
وجهة سياحية
ويرى الباحث الجغرافي عادل مومن أن امتلاء البحيرة بكمية كبيرة من الماء، من شأنه أن يجذب المزيد من السياح في تلك المنطقة التي ترتكز فيها السياحية الصحراوية، مشيراً إلى أن بحيرة إريقي تمثل بالنسبة إلى عشاق الصحراء من السياح والرياضيين سواء المغاربة أو الأجانب موقعاً أسطورياً في مخيلتهم، وهو ما يجعلهم يتوافدون للاستمتاع بمشاهدة معجزة مياه بتلك الكمية وسط رمال الصحراء الكبرى.
هذا فضلاً عن كونها تقع في الطريق التاريخية لقوافل تامبكتو، وذكره أن كتابات تاريخية قديمة ما بين القرن 16م و18م تشير إلى أن الناس كانوا يعيشون على سمكها قديماً، ويعبرونها باستخدام القوارب، حسب الباحث نفسه الذي أشار إلى أنه توجد أدلة كذلك على حياة الإنسان القديم حولها من قبيل أدوات الصيد البدائية والقبور القديمة والنقوش الصخرية في محيط المنطقة.
ويقع المتنزه الوطني لبحيرة إيريقي التابع لجهة درعة تافيلاتت بين قاع وادي درعة الجاف والسفح الجنوبي لجبال الأطلس بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية، ويبعد ب 150 كلم جنوب ورزازات وب 80 كلم جنوب غرب زاكورة، التي يتواجد بالتحديد بين إقليمها وإقليم طاطا.