بعد تصريحات “زوكربيرغ”.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل وظائف البرمجة في المغرب؟
في الوقت الذي بات يعرف فيه مجال الذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة، خاصة في سياق متسم بـ”التنافس الشرس” بين عمالقة التكنولوجيا في العالم، وما صاحب ذلك من نقاشات بشأن تأثير هذه التحولات على سوق العمل واحتمال إلغاء ملايين الوظائف، استهل الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، “مارك زوكربيرغ”، السنة الجديدة بإعلان وَصفه مراقبون بأنه بمثابة “قنبلة الذكاء الاصطناعي”، مؤكداً أن المستقبل الذي كان يبدو بعيداً أصبح أقرب مما يتصور الجميع.
“مارك زوكربيرغ” متحدثاً في بودكاست (Joe Rogan’s Experience)، أعلى برامج البودكاست مشاهدة على منصة “يوتيوب”، صرح أن “ميتا” ستكون قادرة خلال هذه السنة على تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه أن يكون فعليًا بمثابة مهندس متوسط المستوى في أي شركة، قادر على كتابة الكود بفعالية.
ورغم أن تشغيل هذا النظام سيكون مكلفًا للغاية في البداية، يقول “زوكربيرغ”، إلا أنه مع مرور الوقت سيصبح أكثر كفاءة، وفي نهاية المطاف، سيصل إلى مرحلة يتم فيها إنشاء جزء كبير من “الأكواد” (برمجيات) في تطبيقات “ميتا” بما في ذلك الأكواد المتعلقة بالذكاء الاصطناعي نفسه، كل ذلك بواسطة “مهندسين ذكاء اصطناعي” (AI Engineers) بدلاً من “المهندسين البشر”.
تصريحات “زوكربيرغ” تنضم إلى سلسلة طويلة من تصريحات مماثلة صدرت عن كبار المديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا العالمية خلال الأشهر الأخيرة، أكدوا فيها بصراحة إمكانية أن تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي محل العديد من الوظائف البرمجية في المستقبل القريب.
ورغم أن المغرب لا يزال بعيداً كل البعد عن قطار الذكاء الاصطناعي، إلا أن الواقع الجديد الذي تحدث عنه “زوكربيرغ” يفرض طرح أسئلة عديدة حول مدى تأثير هذا التطور على مستقبل وظائف البرمجة في المغرب، خصوصاً أن هذا التحول من الممكن أن يمس وظيفة أزيد من 50 ألف مبرمج حسب آخر الإحصائيات التي تعود لسنة 2021، حيث يحتل المغرب الرتبة الخامسة على مستوى القارة الإفريقية على مستوى عدد متخصصي البرمجة.
تعليقاً حول الموضوع، أوضح الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش والخبير في البرمجيات، أنس أبو الكلام، أنه حتى لو كان تصريح “زوكربيرغ” يأتي في إطار “الحرب التسويقية” التي اندلعت في السنوات الأخيرة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي، فإنه يظل ذا مصداقية ويظهر وضعًا أصبح حقيقيًا أكثر فأكثر.
وتابع الخبير أن هذا التطور أصبح يتيح للشركات العالمية إمكانية الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتنفيذ المهام الروتينية بكفاءة عالية وتكلفة أقل، وهو ما سينتج عنه، في المستقبل، تقليص الحاجة إلى عدد كبير من الموظفين في هذه الوظائف كما في غيرها.
تَشكٌّل مهن جديدة
وعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة (Automation) العديد من المهام، يرى الأستاذ الجامعي أنه لا يمكن أن يحل كليا، على الأقل حاليا وفي المستقبل القريب، محل الإبداع البشري في البرمجة، لكنه سيحول معه أدوار المبرمجين تدريجيًا من كتابة الأكواد، إلى التركيز على مهام أخرى أكثر تعقيدا وإبداعا.
وتتعلق هذه المهام أساسا بتطوير وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تحليل البيانات وتحسين الخوارزميات، وتأمين الأنظمة الرقمية في مواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة، وكذا تطوير تطبيقات جديدة تعتمد على تقنيات مبتكرة مثل الحوسبة السحابية والواقع المعزز.
في هذا الصدد، كان الرئيس التنفيذي لشركة (Amazon Web Services)، “مات جارمان”، قد قال بأن “مهندسي البرمجيات سيحتاجون إلى تطوير مهارات أخرى قريبًا مع تولي الذكاء الاصطناعي العديد من مهام البرمجة”، وذلك في تسجيلات داخلية حصل عليها موقع “بيزنس إنسايدر” المتخصص.
وأضاف جارمان: “إذا تقدمنا 24 شهرًا من الآن، أو أي مدة زمنية – لا أستطيع التنبؤ بالضبط متى – فمن الممكن أن معظم المطورين لن يكتبوا الأكواد”، مضيفا “البرمجة هي مجرد اللغة التي نتحدث بها مع الحواسيب. إنها ليست المهارة في حد ذاتها، المهارة في حد ذاتها تتمثل في كيفية الابتكار وكيفية بناء شيء مثير للاهتمام ليستخدمه عملاؤنا النهائيون”.
تأخر في تكوين الكفاءات بالمغرب
وفي الوقت الذي أعلن فيه المغرب قبل أشهر عن استراتيجية المغرب الرقمي 2030 لتعزيز عملية التحول الرقمي، بما في ذلك تمكين المملكة من الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، أشار أنس أبو الكلام إلى وجود نقص في الكفاءات المتخصصة في هذا المجال، مثل تحليل البيانات وهندسة الذكاء الاصطناعي، على الرغم من وجود نخبة من الشباب المغربي الموهوب في مجال التقنية.
وأضاف الخبير أنه رغم جهود المغرب في هذا الجانب من خلال إنشاء 4 مدارس عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي خلال السنة الماضية، فإن هذه الجهود تبقى غير كافية. حيث سيتطلب تكوين متخصصين بضع سنين، في عالم “لا ينتظر ويتطور بشكل سريع جدا في هذا المجال”.
ودعا الخبير إلى تبني استراتيجية شاملة تركز على تحسين البنية التحتية، وتعزيز برامج التعليم والتدريب في التكنولوجيا المتقدمة، وإطلاق مبادرات حكومية تشجع الابتكار.
كما شدد على ضرورة بناء إطار قانوني وتنظيمي قوي، مع رفع وعي المجتمع بمزايا الذكاء الاصطناعي كخطوة أساسية لدعم تبنيه في مختلف القطاعات.
نصائح للطلبة
وأمام التحولات السريعة التي يعرفها مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ينصح الخبير الطلبة المقبلين على تخصص البرمجة، بالاستثمار في تعلم المهارات المستقبلية والأدوار الجديدة التي تمنحهم ميزة تنافسية في سوق العمل، بدل التركيز على الأدوار التقليدية التي سيتفوق فيها الذكاء الاصطناعي مستقبلاً.
ومن بين النصائح التي يقدمها الأستاذ الجامعي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش، ضرورة تنمية مهارات حل المشكلات. موضحا أن “الذكاء الاصطناعي قادر على تنفيذ المهام، لكن التفكير الإبداعي وإيجاد حلول للمشاكل المعقدة سيبقى دورًا بشريًا لا غنى عنه”.
كما يدعو أبو الكلام الطلبة إلى تعلم تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال فهم أساسيات تعلم الآلة (Machine Learning) وتحليل البيانات، لما توفره هذه المجالات من ميزات تنافسية كبيرة في سوق العمل.
وأكد كذلك أهمية التركيز على التخصصات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء (IoT).
ولتعزيز الإنتاجية وتحسين جودة التعليمات البرمجية، ينصح الخبير بتعلم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل (GitHub Copilot)، وغيرها من أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تساعد المبرمجين على كتابة الكود بسرعة وبجهد أقل، مما يتيح لهم التركيز بشكل أكبر على حل المشكلات والإبداع في مشاريعهم.